للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال في "الفتح": والحكمة في الذوْد المذكور أنه -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يُرشد كل أحد إلى حوض نبيّه على ما تقدم: أن لكل نبيّ حوضًا، وأنهم يتباهون بكثرة من يتبعهم، فيكون ذلك من جملة إنصافه -صلى الله عليه وسلم- ورعاية إخوانه من النبيين، لا أنه يطردهم بُخْلًا عليهم بالماء، ويَحْتَمِل أنه يطرد من لا يستحق الشرب من الحوض، والعلم عند الله تعالى. انتهى (١).

(كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الإبِلِ")؛ أي: كما تُمنع وتُطرد الإبل التي ليست لصاحب الحوض، وقال النوويّ -رحمه الله-: معناه: كما يذود الساقي الناقة الغريبة عن إبله إذا أرادت الشرب مع إبله. انتهى (٢).

وقال في "العمدة": قوله: "كما تذاد الغريبة من الإبل أي: كما تُطْرَد الناقة الغريبة من الإبل عن الحوض؛ إذا أرادت الشرب مع إبله، وعادة الراعي إذا ساق الإبل إلى الحوض لتشرب أن يطرد الناقة الغريبة؛ إذا رآها بينهم (٣).

وفيه إباحة منع صاحب الحوض عن حوضه الإبل التي ليست له.

[تنبيه]: قال في "العمدة": اختُلف في هؤلاء الرجال، فقيل: هم المنافقون، حكاه ابن التين، وقال ابن الجوزيّ: هم المبتدعون، وقال القرطبيّ: هم الذين لا سِيمَا لهم من غير هذه الأمة، وذكر قبيصة في "صحيح البخاريّ أنهم هم المرتدّون الذين بَدّلوا، وقال ابن بطال:

[فإن قيل]: كيف يأتون غُرًّا، والمرتدّ لا غرّة له؟.

[فالجواب]: أن النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "تأتي كل أمة فيها منافقوها"، وقد قال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: ١٣] فصحَّ أن المؤمنين يُحشرون، وفيهم المنافقون الذين كانوا معهم في الدنيا، حتى يضْرَب بينهم بسور، والمنافق لا غُرة له، ولا تحجيل، لكن المؤمنون سمُّوا غُرًّا بالجملة، وإن كان المنافق في خلالهم، وقال ابن الجوزيّ:

[فإن قيل]: كيف خَفِي حالهم على النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال: "تُعْرَض عليّ أعمال أمتي"؟.


(١) "الفتح" ١٥/ ١٨٠، كتاب "الرقاق" رقم (٦٥٨٥).
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ٦٤.
(٣) "عمدة القاري" ١٢/ ٢١٠ - ٢١١.