وبينها وبين المدينة النبوية نحو الشهر بِسَيْر الأثقال، إن اقتصروا كلَّ يوم على مرحلة، وإلا فدون ذلك، وهي من مصر على أكثر من النصف من ذلك، ولم يُصِب من قال من المتقدمين: إنها على النصف مما بين مصر ومكة، بل هي دون الثُّلث، فإنها أقرب إلى مصر، ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن أيلة شِعْب من جبل رضوى الذي في ينبع، وتُعُقّب بأنه اسم وافق اسْمًا، والمراد بأيلة في الخبر: هي المدينة الموصوفة آنفًا، وقد ثبت ذِكرها في "صحيح مسلم" في قصة غزوة تبوك، وفيه: أن صاحب أيلة جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصالحه. وتقدم لها ذِكْر أيضًا في "كتاب الجمعة".
(وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ) إنما قَيَّد في هذه الرواية باليمن احترازًا من صنعاءَ التي بالشام، والأصل فيها صنعاء اليمن، لَمّا هاجر أهل اليمن في زمن عمر -رضي الله عنه- عند فتوح الشام، نزل أهل صنعاء في مكان من دمشق، فسُمّي باسم بلدهم، فعلى هذا فـ "مِنْ" في قوله في هذه الرواية: "من اليمن" إن كانت ابتدائية فيكون هذا اللفظ مرفوعًا، وإن كانت بيانية، فيكون مُدْرَجًا من قول بعض الرواة، والظاهر أنه الزهري. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: دعوى الإدراج هنا مما لا دليل عليه، فالذي يظهر أنه مرفوع كلّه، ومما يؤيّد ذلك أنه وقع في "صحيح ابن حبّان" بلفظ: "كما بين أيلة إلى صنعاء اليمن" بالإضافة، فتبصّر بالإمعان، والله تعالى أعلم.
(وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأَبارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ")، وتقدّم في حديث ابن عمر: "فيه أباريق كنجوم السماء"، وفي حديث أبي ذرّ -رضي الله عنه-: "لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها".
[تنبيه]: قال النوويّ في "شرحه": وقع في بعض النُّسخ: "كما" بالكاف، وفي بعضها: "لما" باللام، و "كعدد" بالكاف، وفي بعضها: "لعدد نجوم السماء" باللام، وكلاهما صحيح. انتهى (٢).
قال الجامع عفا الله عنه: ما ذكره النووي من اختلاف النُّسخ هنا لم أره لغيره، وفي تصحيحه الجميع نَظَر لا يخفى، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.
(١) "الفتح" ١٥/ ١٧٧، رقم (٦٥٨٠).
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ٦٤.