للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بكسر الهمزة، وسكون النون مخفّفة من الثقيلة، ولم تَعمل، ولذا لزمت اللام بعدها، كما قال في "الخلاصة":

وَخُفِّفَتْ "إِنَّ" فَقَلَّ الْعَمَلُ … وَتَلْزَمُ اللَّامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ

أي: إنه (كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا)؛ يعني: أنه كان منهم من ينقادُ، فيدخلُ في الإسلام؛ لكثرة ما كان يعطي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من يتألّفه على الدخول فيه، فيكون قَصْده بالدخول فيه الدنيا، وهذا كان حال الطلقاء يوم حُنين على ما مرَّ. انتهى (١).

وقوله: (مَا) نافية؛ أي: لا (يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا، فَمَا) نافية أيضًا، (يُسْلِمُ) (٢)، وفي بعض النسخ: "فما يُمسي" من الإمساء؛ أي: يدخل في وقت المساء (حَتَّى يَكُونَ الإسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا عَلَيْهَا) من النعيم؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- نوّر قلبه، حيث شرح صدره للإسلام، فأعرض عن الدنيا الفانية، وامتلأ قلبه بحبّ الآخرة الباقية، فأقبل عليها، قال الله -عزَّ وجل-: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} الآية [الزمر: ٢٢].

وقال النوويّ -رحمه اللهُ-: قوله: "فما يسلم حتى يكون الإسلام … إلخ" هكذا هو في معظم النسخ: "فما يُسلم"، وفي بعضها: "فما يُمسي"، وكلاهما صحيح، ومعنى الأول: فما يَلبث بعد إسلامه إلا يسيرًا، حتى يكون الإسلام أحب إليه، والمراد أنه يُظهر الإسلام أوّلًا للدنيا، لا بقصدٍ صحيح بقلبه، ثم من بركة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ونور الإسلام لم يلبث إلا قليلًا، حتى ينشرح صدره بحقيقة الإيمان، ويتمكن من قلبه، فيكون حينئذ أحبَّ إليه من الدنيا، وما فيها. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ -رحمه اللهُ-: قوله: "فما يسلم حتى يكون الإسلام أحبَّ إليه … إلخ" ظاهر مساق هذا الكلام أن إسلامه الأول لم يكن إسلامًا صحيحًا؛ لأنَّه كان يبتغي به الدنيا؛ وإنما يصحُّ له الإسلام إذا استقرّ الإسلام بقلبه، فكان آثر عنده، وأحبّ إليه من الدنيا وما عليها، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ


(١) "المفهم" ٦/ ١٠٥.
(٢) وفي نسخة: "فما يُمسي".
(٣) "شرح النوويّ" ١٥/ ٧٢ - ٧٤.