للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (قَالَ عَمْرٌو: فَلَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ … إلخ) ظاهر هذا السياق الإرسال، قاله في "الفتح". قال الجامع: ويَحْتَمل أن يكون موصولًا؛ أي: قال عمرو بن سعيد عن أنس -رضي الله عنه-: فلما تُوُفّي … إلخ، فليُتأمّل، والله تعالى أعلم.

وقوله: (وَإِنَّهُ مَاتَ فِي الثَّدْيِ) معناه: مات وهو في سنّ رضاع الثدي، أو في حال تَغَذِّيه بلبن الثدي (١).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "إن إبراهيم ابني قد مات في الثدي"؛ أي: في حال رضاعه؛ أي: لم يكمل مدَّة رضاعه، قيل: إنه مات وهو ابن ستة عشر شهرًا، وهذا القول أخرجه فَرْط الشفقة، والرحمة، والحزن (٢).

وقوله: (وَإِنَّ لَهُ لَظِئْرَيْنِ تُكَمِّلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ") قال النوويّ: معنى "تُكْملان رضاعه": أي: تتمّانه سنتين، فإنه تُوُفّي وله ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر، فترضعانه بقية السنتين، فإنه تمام الرضاعة بنص القرآن، قال صاحب "التحرير": وهذا الإتمام لإرضاع إبراهيم -رضي الله عنه- يكون عقب موته، فيدخل الجنة متصلًا بموته، فيتم فيها رضاعه؛ كرامةً له، ولأبيه -صلى الله عليه وسلم-. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "إن له لظئرين يُكملان رضاعه في الجنة" هذا يدلُّ على أن حُكمه حكم الشهيد؛ فإنَّ الله تعالى قد أجرى عليه رزقه بعد موته، كما قد أجرى ذلك على الشهيد؛ حيث قال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)} [آل عمران: ١٦٩]، وعلى هذا فمن مات من صغار المسلمين بوجه من تلك الوجوه السبعة التي ذكرنا أنها أسباب الشهادة كان شهيدًا، ويلحق بالشهداء الكبار بفضل الله ورحمته إياهم، وإن لم يبلغوا أسنانهم، ولم يُكلَّفوا تكليفهم، فمن قتل من الصغار في الحرب كان حكمه: حكم الكبير، فلا يغسَّل، ولا يصلَّى عليه، ويُدفن بثيابه كما يُفعل بالكبير. انتهى (٤).


(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ٧٦.
(٢) "المفهم" ٦/ ١١١.
(٣) "شرح النوويّ" ١٥/ ٧٦.
(٤) "المفهم" ٦/ ١١١ - ١١٢.