للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"فوجدت ليده. . . إلخ". (قَالَ) جابر -رضي الله عنه- (فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ) الشريفة (بَرْدًا، أَوْ رِيحًا) "أو" يَحْتَمِل أن تكون بمعنى الواو على حدّ قول الشاعر [من الطويل]:

أَتَى الْخِلَافَةَ أَو كَانَتْ لَهُ قَدَرَا … كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ

أي: وكانت، ويؤيّد هذا قوله: "كأنما أُخرجت من جُؤنة عطّار"، ويؤيّده أيضًا أنه وقع في "مصنّف ابن أبي شيبة"، و"معجم الطبرانيّ الكبير" بالواو.

ويَحْتَمِل أن تكون "أو" للشكّ من الراوي في أيّ اللفظتين قال؟ فعلى هذا يكون وَصَفها أولًا بكونها باردة، وثانيًا بكونها عَطِرةً، ويُستفاد ذلك من قوله: "كَأنَّمَا أَخْرَجَهَا من جؤنة عطّار".

وقال القرطبيّ -رحمه اللهُ-: قوله: "فوجدت ليده بردًا، أو ريحًا": "أو" هذه الأَوْلَى أن تكون بمعنى: الواو، لا للشكّ؛ لأنَّها لو كانت شكًّا، فإذا قدَّرنا إسقاط: "أو ريحًا" لم يستقم تشبيه برودة يده بإخراجها من جُونة عطار؛ فإنَّ ذلك إنما هو تشبيه للرائحة، فإذا حملت "أو" على معنى: الواو الجامعة استقام التشبيه للرائحة، والإخبار عن وجدان برودة اليد التي تكون عن صحة العضو، ويَحْتَمِل أن يريد بالبرودة: برودة الطِّيب، فإنَّهم يصفونه بالبرودة، كما قال الأعشى [من المتقارب]:

وتَبْرُدُ بَرْدَ رِداءَ العَرُو … سِ بالصَّيفِ رَقْرَقْتَ فِيهِ العَبِيرَا

انتهى (١).

وقوله: (كَأنَّمَا أَخْرَجَهَا) "ما" كافّة كفّت "كأنّ" عن العمل، وهيّئتها للدخول على الفعل، قال في "الخلاصة":

وَوَصْلُ "مَا" بِذِي الْحُرُوفِ مُبْطِلُ … إِعْمَالَهَا وَقَدْ يُبَقَّى الْعَمَلُ

(مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ) قال المجد -رحمه اللهُ-: الْجُؤنة بالضمّ: سُلَيلَةٌ مُغَشّاةٌ أَدَمًا تكون مع العطّارين، وأصله الهمز، جَمْعه كَصُرَدٍ. انتهى.

وقال النوويّ -رحمه اللهُ-: "الْجُؤْنة" -بضم الجيم، وهمزة بعدها، ويجوز ترك الهمزة بقلبها واوًا، كما في نظائرها، وقد ذكرها كثيرون، أو الأكثرون في


(١) "المفهم" ٦/ ١٢١ - ١٢٢.