للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الإسناد نفسه تقدّم قبل بابين.

شرح الحديث:

(عَنْ عَائِشَةَ) أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها (قَالَتْ: إِنْ كَانَ) "إن" بكسر الهمزة، وسكون النون: مخفّفة من الثقيلة، وهي مهملة، ولذا دخلت اللام بعدها، قال في "الخلاصة":

وَخُفِّفَتْ "إِنَّ" فَقَلَّ الْعَمَلُ … وَتَلْزَمُ اللَّامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ

(لَيُنْزَلُ) بالبناء للمفعول؛ أي: يُنزلُ الله تعالى الوحيَ (عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ)، وفي رواية البخاريّ: "في اليوم الشديد البرد"، وفيه دلالة على كثرة معاناة التعب، والكرب عند نزول الوحي؛ لِمَا فيه من مخالفة العادة، وهو كثرة الْعَرَق في شدة البرد، فإنه يُشعر بوجود أمر طارئ زائد على الطباع البشرية. (ثُمَّ تَفِيضُ) بفتح أوله، من باب باع؛ أي: تسيل (جَبْهَتُهُ عَرَقًا) منصوب على التمييز، زاد في رواية البيهقيّ في "الدلائل": "وإن كان ليوحَى إليه، وهو على ناقته، فيضرب حزامها من ثقل ما يوحى إليه".

وأرادت عائشة -رضي الله عنها- بهذا الإشارةَ إلى كثرة معاناته -صلى الله عليه وسلم- التعَبَ والكربَ عند نزول الوحي، وذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ورد عليه الوحي يجد له مشقة، ويغشاه الكرب، لثقل ما يُلقَى عليه، قال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)} [المزمل: ٥]، ولذلك كان يَعتريه مثل حال المحموم، كما روي "أنه كان يأخذه عند الوحي الرُّحَضَاء (١) "؛ أي: البُهْرُ (٢) والعَرَق من الشدّة، وأكثر ما يسمى به عرق الحُمَّى، ولذلك كان جبينه يتفصد عَرَقًا، وإنما كان ذلك ليبلو صبره، ويُحسن تأديبه، فيرتاض لاحتمال ما كلفه من أعباء النبوة.

وفي حديث يعلى بن أمية: "فأدخل رأسه، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُحْمَرٌّ وجهه، وهو يغطّ، ثم سُرِّيَ عنه".

وفي حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- الآتي هنا بعد حديث، قال: "كان


(١) بضمّ، ففتح: العرق في إثر الحمّى.
(٢) بضمّ، فسكون: تتابع النفَس، وبالفتح: المصدر.