تدوير"، قال أبو عبيد في شرحه: يريد أنه لم يكن في غاية من التدوير، بل كان فيه سهولة، وهي أحلى عند العرب. انتهى (١).
قال جابر بن سَمُرة -رضي الله عنهما-: (وَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ)؛ أي: خاتم النبوّة، وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "ورأيت الخاتم. . . إلخ"؛ الألف واللام في الخاتم لتعريف العهد؛ أي: خاتم النبوة الذي من علاماته المعروفة له في الكتب السابقة، وفي صدور علماء الملل السالفة، ولذلك لمّا حصل عند سلمان الفارسيّ -رضي الله عنه- العلم بصفاته، وأحواله، وعلاماته وموضع مبعثه، ودار هجرته؛ جدَّ في الطلب حتى ظفر بما طلب، ولمّا لقيه جعل يتأمل ظهره، فعلم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه يريد أن يقف على ما يعرفه من خاتم النبوة، فنزع رداءه من على ظهره، فلما رأى سلمان الخاتم أكبَّ عليه يقبّله، وهو يقول: أشهد أنك رسول الله.
وروى الترمذيّ عن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمّا خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام، ونزلوا بصومعة راهب كان هنالك، وقد سُمِّي في غير هذا الخبر: بَحِيرًا، فخرج إليهم ذلك الراهب، وكان قبلُ لا يخرج إليهم، ولا يلتفت إليهم، فلما خرج جعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما عِلْمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر، ولا شجر إلا خرَّ ساجدًا له، ولا يسجدان إلا لنبيّ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروفه مثل التفاحة. . .، وذكر الحديث بطوله، وقال في آخره: حديث حسن غريب.
وعلى هذا؛ فخاتم النبوة معناه: علامةُ نبوَّةِ محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ وقد اختلفت ألفاظ النَّقَلة في صفة ذلك الخاتم، فروى جابر بن سمرة، وأبو موسى ما ذكرناه آنفًا، وروى السائب بن يزيد: أنه مثل زرِّ الحجلة، وروى عبد الله بن سَرْجِس: أنه رأى جُمْعًا عليه خِيلان مثل: الثآليل. وروى الترمذيّ عن جابر بن سمرة، قال: كان خاتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يعني: الذي بين كتفيه- غدَّة حمراء مثل بيضة الحمامة، وقال: حسن صحيح.
قال القرطبيّ: وهذه الكلمات كلها متقاربة المعنى، مفيدة أن خاتم النبوة
(١) "الفتح" ٨/ ٢١٢ - ٢١٣، كتاب "المناقب" رقم (٣٥٥٢).