(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) -رضي الله عنه- أنه (قَالَ: قُبِضَ) بالبناء للمفعول؛ أي: تُوُفّي (رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ) سنةً، والجملة حاليّة من "رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، والمعنى: أنه -صلى الله عليه وسلم- قُبِض، وعمره ثلاث وستّون سنة، وكان ذلك -كما قال النوويّ- ضُحَى يوم الاثنين لثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من هجرته -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، ولا خلاف بين أهل السِّير في ذلك، إلا في تعيين اليوم من الشهر، فالجمهور على أنه في يوم الثاني عشر، وقال موسى بن عقبة، والليث بن سعد: مُسْتَهَلَّ الشهر، وقال سليمان التيميّ: ثانية، قال العراقىّ: والقول الأول، وإن كان قول الجمهور، فقد استشكله السهيليّ من حيث التاريخ، وذلك لأن يوم عرفة في حجة الوداع كان يوم الجمعة بالإِجماع؛ لحديث عمر المتفق عليه، وحينئذ فلا يمكن أن يكون ثاني عشر ربيع الأول من السنة التي تليها يوم الاثنين، لا على تقدير كمال الشهور، ولا نقصها، ولا كمال بعض، ونقص بعض؛ لأن ذا الحجة أوله الخميس، فإن نقص هو والمحرم وصفر كان ثاني عشر ربيع الأول يوم الخميس، وإن كملت الثلاثة فثاني عشره الأحد، وإن نقص بعضٌ وكمل بعض فثاني عشره الجمعة، أو السبت، قال: وقد رأيت بعض أهل العلم يجيب، بأن تُفرض الشهور الثلاثة كوامل، ويكون قولهم لاثنتي عشرة ليلة خلت منه؛ أي: بأيامها كاملة، فيكون وفاته بعد استكمال ذلك، والدخول في الثالث عشر، قال: وفيه نَظَر من حيث إن الذي يظهر من كلام أهل السِّيَر نقصان الثلاثة، أو اثنين منهما، بدليل ما رواه البيهقيّ بسند صحيح إلى سليمان التيميّ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَرِض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وكان أولُ يومٍ مَرِض فيه يومَ السبت، وكانت وفاته اليوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع، وهذا يدلّ على أن أول صفر السبت، فلزم نقصان ذي الحجة والمحرم، وقوله: كانت وفاته -صلى الله عليه وسلم-؛ أي: من مرضه، فيدلّ على نقصان صَفَر أيضًا.
وروى الواقديّ عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأربعاء لإِحدى عشرة بقيت من صفر. . . إلى أن قال: اشتكى ثلاثة عشرة يومًا، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع، فهذا يدلّ