للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والباقون ذُكروا قبله.

وقوله: (عَلَى قَدَمَيَّ) قال الطيبيّ رَحِمَهُ اللهُ؛ أي: على أثري، والظاهر على قدميه؛ اعتبارًا للموصول، إلا أنه اعتَبَر المعنى المدلول بلفظة "أنا". انتهى (١).

وقال الأبيّ رَحِمَهُ اللهُ: فأما رواية: "على عقبي"؛ فمعناها: على أثري؛ أي: لا نبيّ بعدي، وأما رواية: "على قدمي"؛ فمعناها: على سابقتي، كما قال تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الآية [يونس: ٢]؛ أي: سابقة خير، وإكرام، وترجع إلى ما فُسّرت به الأُولى؛ أي: لا نبيّ بعدي، وقيل: يعني: على سُنَّتي، وقيل: يُحشرون بمشاهدتي، من قوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} الآية [البقرة: ١٤٣]، وقيل: يعني: على أمامي، وقُدّامي؛ كأنهم يجتمعون إليه، ويكونون أمامه، وخلفه، وحوله. انتهى (٢).

وقوله: (وَأَنَا الْعَاقِبُ … إلخ) العاقب: آخر الرسل عليه السلام؛ أي: أُرسل عقبهم، قال ابن الأعرابيّ: العاقب، والعاقوب: الذي يَخلُف من كان قبله في الخير، ومنه: عَقِب الرجل: لِوَلَده بعده. انتهى (٣).

وقوله: (وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ رَؤُوفًا، رَحِيمًا) تقدّم أنه مُدْرَج من قول الزهريّ،

وهو إشارة إلى قوله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا

عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨]. وقال

القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: قوله: "وقد سَمَّاه الله رؤوفًا رحيمًا" ليس هذا من قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بل من قول غيره، وهو الصحابيّ، والله تعالى أعلم، ألا تراه كيف أخبر عنه بخطاب الغيبة، ولو كان من قوله -صلى الله عليه وسلم- لقال: وقد سمّاني الله: رؤوفًا رحيمًا، هذا الظاهر، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك من قوله، وقد يَخْرُج المتكلم من الحضور إلى الغَيبة، كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} الآية [يونس: ٢٢]، وفي هذا إشارة إلى قوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]، والرؤوف: الكثير الرأفة، والرحيم: الكثير الرحمة؛ فإنَّهما للمبالغة.


(١) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ١٢/ ٣٦٨٨.
(٢) "شرح الأبيّ" ٦/ ١٤٣.
(٣) "شرح الأبيّ" ٦/ ١٤٣.