بـ "يُحرّم"، (فَحُرِّمَ) بتشديد الراء مبنيًّا للمجهول أيضًا، من التحريم. (عَلَيْهِمْ)، وفي رواية سفيان:"على الناس"، (مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ") مصدر ميميّ، مِن سأل؛ أي: لأجل سؤاله.
وأخرج البزار من وجه آخر عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: "كان الناس يتساءلون عن الشيء من الأمر، فيسألون النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو حلال، فلا يزالون يسالونه عنه حتى يُحَرَّم عليهم".
قال ابن بطال عن المهلَّب: ظاهر الحديث يَتَمسّك به القدرية في أن الله يفعل شيئًا من أجل شيء، وليس كذلك، بل هو على كل شيء قدير، فهو فاعل السبب والمسبَّب، كل ذلك بتقديره، ولكن الحديث محمول على التحذير مما ذُكِر، فعَظُم جُرْم مَن فعل ذلك؛ لكثرة الكارهين لفعله.
وقال غيره: أهل السُّنَّة لا ينكرون إمكان التعليل، وإنما ينكرون وجوبه، فلا يمتنع أن يكون المقدّر الشيء الفلانيّ تتعلق به الحرمة، إن سئل عنه، فقد سبق القضاء بذلك، لا أن السؤال علة للتحريم.
وقال ابن التين: قيل: الجرم اللاحق به: إلحاق المسلمين المضرّة لسؤاله، وهي مَنْعهم التصرف فيما كان حلالًا قبل مسألته.
وقال عياض: المراد بالْجُرم هنا: الْحَدَث على المسلمين، لا الذي هو بمعنى الإثم المعاقَب عليه؛ لأنَّ السؤال كان مباحًا، ولهذا قال: "سلوني".
وتعَقَّبه النوويّ، فقال: هذا الجواب ضعيفٌ، بل باطلٌ، والصواب الذي قاله الخطابيّ، والتيميّ، وغيرهما، أن المراد بالجرم: الإثم والذنب، وحملوه على من سأل تكلفًا، وتعنتًا فيما لا حاجة له به إليه، وسبب تخصيصه ثبوت الأمر بالسؤال عما يُحتاج إليه؛ لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} الآية [الأنبياء: ٧]، فمن سأل عن نازلة وقعت له؛ لضرورته إليها، فهو معذور، فلا إثم عليه، ولا عَتْبَ، فكلٌّ من الأمر بالسؤال، والزجر عنه مخصوص بجهة غير الأخرى.
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويؤيد ما ذهب إليه الجماعة من تأويل الحديث المذكور ما أخرجه الطبريّ من طريق محمد بن زياد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لمن سأله عن الحج: أفي كل عام؟: "لو قلت: نعم لوجبت، ولو