للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِيُعْجزه، وهذا كان دأب المنافقين وغيرهم من المُعادِين له، ولدِين الإسلام؛ فإنَّهم كانوا: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢)} [التوبة: ٣٢]، ولذلك لمّا فَهِم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك قال لهم في هذا المجلس: "سلوني، سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلَّا أنبأتكم به"، فكلّ من سأله في ذلك المقام عن شيء أخبره به - أحبَّه أو كرهه -، ولذلك أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١)} [المائدة: ١٠١]، فأدَّبهم الله تعالى بترك السؤال عما ليس بِمُهم، وخصوصًا عما تقدَّم من أحوال الجاهلية التي قد عفا الله عنها، وغفرها، ولمّا سمعت الصحابة - رضي الله عنهم - هذا كله انتهت عن سؤال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا في أمر لا يجدون منه بدًّا، ولذلك قال أنس - رضي الله عنه - فيما تقدم: "نُهينا أن نسأل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية، فيسأله، ونحن نسمع". انتهى (١).

(فَخَطَبَ)، وفي رواية ابن شهاب عن أَنَس الآتية: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى لَهُمْ صَلَاةَ الظُّهْر، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ"، (فَقَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ) بضم العين المهملة مبنيًّا للمفعول؛ أي: أُظهرت لي، وقُرّبت منّي، وفي رواية ابن شهاب: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِه، لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفأ، فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ(فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ) صفة لمحذوف؛ أي: فلم أر يومًا مثل هذا اليوم (فِي الْخَيْرِ) هو ما رآه في الجنّة، (وَالشَّرِّ) هو ما رآه في النار، (وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ)؛ أي: من أحوال الآخرة، وأهوالها، وقيل: ما أعلم من عظيم قدرة الله، وانتقامه من أهل الجرائم، وشدة عقابه وأهوال القيامة وما بعدها، وقيل: معناه لو دام علمكم كما دام علمي؛ لأن علمه متواصل بخلاف علم غيره (٢).

(لَضَحِكْتُمْ قَلِيلَا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا") قيل: معنى القلة هنا: العدمُ، والتقدير:


(١) "المفهم" ٦/ ١٦٥ - ١٦٦.
(٢) "شرح الزرقانيّ على الموطّأ" ١/ ٥٢٩.