للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إذ طلع علينا رجل. . ." الحديث، فقد أطلق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين على الإسلام، والإيمان، والإحسان، بقوله: "إنه جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام - أتاكم يعلمكم دينكم"، وإنما علّمهم هذه الثلاثة.

والحاصل: أن الدِّين تارةً يطلق على الثلاثة التي سأل عنها جبريل - عَلَيْهِ السَّلَام -،

وتارة يطلق على الإسلام، كما في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الآية [المائدة: ٣]، وهذا يَمنع قول من

يقول: بين الآية والحديث معارضة، حيث أطلق الدين في الحديث على ثلاثة أشياء، وفي الآية على شيء واحد، واختلاف الإطلاق إما بالاشتراك، أو بالحقيقة، أو المجاز، أو بالتواطئ، ففي الحديث أطلق على مجموع الثلاثة، وهوأحد مدلوليه، وفي الآية أطلق على الإسلام وحده، وهو مسماه الآخر.

[فإن قلت]: لِمَ قال: بالإسلام؟ ولم يقل: بالإيمان؟.

[قلت]: الإسلام، والإيمان واحد، فلا يَرِدُ السؤال. انتهى (١).

(قَالَ: فَقَامَ ذَاكَ الرَّجُلُ)، وفي الرواية التالية: "فقام عبد الله بن حُذافة وفي رواية للعسكريّ: نزلت في قيس بن حذافة، وفي رواية للإسماعيليّ أنه خارجة بن حُذافة، قال الحافظ: والأول أشهر، وكلهم له صحبة. انتهى (٢).

(فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ فُلَانٌ")، وفي الرواية التالية: "أبوك حُذافة(فَنَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}) فقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. . .} إلخ مرفوع على الفاعليّة لـ "نزلت" محكيّ؛ لِقَصْد لفظه.

قال الإمام ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ - في "تفسيره": نَهَى الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة عن كثرة سؤال النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الأشياء قبل كونها، وقوله: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة: ١٠١]؛ أي: وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تُبَيَّن لكم، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه، فلعله أن يُحَرَّم من أجل تلك المسألة. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم.


(١) "عمدة القاري" ٢/ ١١٤ - ١١٥.
(٢) "الفتح" ٨/ ٢٨١.
(٣) "تفسير ابن كثير" ١/ ١٥٣.