للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بن مسلم الزهريّ أنه قال: (أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) - رضي الله عنه - (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسَ)؛ أي: مالت عن بطن السماء، يقال: زاغت الشمس تزيغ زَيْغًا: مالت، وزاغ الشيءُ كذلك، وزاغ يزوغ زَوْغًا -بالواو- لغةٌ (١). (فَصَلَّى لَهُمْ صَلَاةَ الظُّهْرِ) هذا يقتضي أن زوال الشمس أول وقت الظهر؛ إذ لَمْ يُنقل أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى قبله، وهذا هو الذي استقرّ عليه الإجماع، وكان فيه خلاف قديم عن بعض الصحابة، أنه جوّز صلاة الظهر قبل الزوال، وعن أحمد، وإسحاق مثله في الجمعة، كما سبق بيانه في بابه (٢). (فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَر، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ قَبْلَهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ، فَلْيَسْأَلْنِي عَنْهُ، فَوَاللهِ لَا تَسْأَلُونَنِي) هكذا بنونين، ووقع عند البخاريّ: "فلا تسألوني" بنون واحدة، قال في "العمدة": قوله: "فلا تسألوني" بلفظ النفي، وحذف نون الوقاية منه جائز (٣). (عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ)؛ أي: إلَّا أُخبركم به، فاستَعْمل الماضي موضع المستقبل؛ إشارةً إلى تحققه، وأنه كالواقع، وقال المهلّب: إنما خطب النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الصلاة، وقال: "سلوني"؛ لأنه بلغة أن قومًا من المنافقين يسألون منه، ويُعجِّزونه عن بعض ما يسألونه، فتغيَّظ، وقال: "لا تسألوني عن شيء إلَّا أخبرتكم به".

(مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا"، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) - رضي الله عنه - (فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ) يُمَدّ، ويُقْصَر؛ إذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها. (حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، وذلك لِمَا سمعوا من الأمور العظام الهائلة التي بين أيديهم، وخوفًا من نزول عذاب الله لِغضبه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما كان ينزل على الأمم عند ردّهم على أنَّبيائهم - عليهم الصلاة والسلام - (وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ) كلمة "أنْ" مصدرية، تقديره: وأكثر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القول بقوله: (سَلُونِي) وأصله: اسألوني، فنُقلت حركة الهمزة إلى السين، فحُذفت، واستُغني عن همزة الوصل، فقيل: سلوني على وزن


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٦١.
(٢) "الفتح" ٢/ ٢١.
(٣) "عمدة القاري" ٥/ ٢٧.