للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللهِ؟) إنما سأله عن ذلك؛ لأنه كان يُنسب إلى غير أبيه إذا لاحى أحدًا، فنسبه -صلى الله عليه وسلم- إلى أبيه، فـ (قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ") إنما عرف -صلى الله عليه وسلم- ذلك بالوحي، وهذا هو الظاهر، وقال في "العمدة": إما بالوحي، وهو الظاهر، أو بحكم الفراسة، أو بالقياس، أو بالاستلحاق. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "أو بحكم الفراسة. . . إلخ" لا يخفى ما فيه، والأول هو الحقّ، والله تعالى أعلم.

(فَلَمَّا أَكْثَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي") قال العلماء: هذا القول منه -صلى الله عليه وسلم- محمول على أنه أوحي إليه، وإلا فلا يَعلم كل ما سئل عنه من المغيَّبات إلا بإعلام الله تعالى، قال القاضي عياض: وظاهر الحديث أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "سلوني" إنما كان غضبًا، كما قال في الرواية الأخرى: "سئل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن أشياء كرهها، فلما أُكثر عليه غَضِبَ، ثم قال للناس: سلوني"، وكان اختياره -صلى الله عليه وسلم- ترك تلك المسائل، لكن وافقهم في جوابها؛ لأنه لا يمكن ردّ السؤال، ولِمَا رآه من حرصهم عليها، والله أعلم.

(بَرَكَ عُمَرُ) بفتح الموحّدة، وتخفيف الراء من "بَرَك"، من البروك؛ أي: جَثَى على ركبتيه، كبروك البعير، يقال: برك البعير: إذا استناخ، واستُعمل في الآدميّ مجازًا (٢). (فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وأما بروك عمر -رضي الله عنه-، وقوله، فإنما فعله أدبًا وإكرامًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشفقةً على المسلمين؛ لئلا يؤذوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فيهلكوا، ومعنى كلامه: رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى، وسُنَّة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، واكتفينا به عن السؤال، ففيه أبلغ كفاية. انتهى (٣).

(قَالَ) أنس (فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَوْلَى) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "أولى" تهديد، ووعيد، وقيل: كلمة تَلَهّف، فعلى هذا يستعملها مَن نجا من أمر عظيم، والصحيح المشهور


(١) "عمدة القاري" ٢/ ٢٨.
(٢) "مشارق الأنوار" ١/ ٨٥، و"الفتح" ١/ ٣٣٠.
(٣) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٠٢.