للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيس الأشعريّ -رضي الله عنه- أنه (قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَشْيَاءَ) بمنع الصرف، قال الخليل: إنما تُرك صرفه؛ لأن أصله فُعَلاء؛ كالشُّعَراء، جمع على غير الواحد، فنقلوا الهمزة الأولى إلى أول الكلمة، فقالوا: أشياء، فوزنه أفعاءُ، وقال الأخفش، والفراء: هو أفعِلاء؛ كالأنبياء، فحُذفت الهمزة التي بين الياء والألف؛ للتخفيف، فوزنه أفعاءُ، وقال الكسائيّ: هو أفعال؛ كأَفراخ، وإنما تركوا صرفها؛ لكثرة استعمالهم لها، ولأنها شبّهت بفَعْلاء، قاله في "العمدة" (١).

ومن تلك الأشياء التي كرهها -صلى الله عليه وسلم- سؤال من سأل أين ناقتي؟ وسؤال من سأل عن البَحيرة والسائبة، وسؤال من سأل عن وقت الساعة، وسؤال من سأل عن الحجّ؛ أيجب كلّ عام؟ وسؤال من سأل أن يحوّل الصفا ذهبًا، ومنها ما تقدّم في حديث أنس -رضي الله عنه-: "سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أحفوه بالمسألة"، وغير ذلك (٢).

وقوله: (كَرِهَهَا) جملة في محلّ جرّ؛ لأنها صفة لـ "أشياء"، وإنما كره السؤال عنها؛ لأنه ربما كان سببًا لتحريم شيء على المسلمين، فتلحقهم به المشقة، أو ربما كان في الجواب ما يَكره السائل، ويسوؤه، أو ربما أحفوه -صلى الله عليه وسلم-، وألحقوا به المشقة والأذى، فيكون ذلك سببًا لهلاكهم، وهذا في الأشياء التي لا ضرورة، ولا حاجة إليها، أو لا يتعلق بها تكليف ونحوه، وفي غير ذلك لا تتصور الكراهة؛ لأن السؤال حينئذ إما واجب، أو مندوب؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]، [والأنبياء: ٧] (٣).

(فَلَمَّا أُكْثِرَ) بالبناء للمفعول؛ أي: فلما أكثر السؤال (عَلَيْهِ)؛ أي: على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقوله: (غَضِبَ) جواب "لَمّا"، وسبب غضبه -صلى الله عليه وسلم- تعنتهم في السؤال، وتكلفهم فيما لا حاجة لهم فيه، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعظم المسلمين جُرْمًا، مَن سأل عن شيء، فحُرِّم من أجل مسألته"، متّفقٌ عليه (٤).


(١) "عمدة القاري" ٢/ ١١٣.
(٢) "الفتح" ١٣/ ٢٦٩.
(٣) "عمدة القاري" ٢/ ١١٣.
(٤) "عمدة القاري" ٢/ ١١٣.