للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اختلفت مآخذ الأحكام، كما قد أوضحناه في الأصول. انتهى (١).

وقال صاحب "التكملة": قوله: "إذا أمرتكم بشيء من رأيي" المراد من الرأي هنا هو الظنّ في الأمور المباحة، كما دلّ عليه الحديث السابق، والأحاديث يُفسّر بعضها بعضًا، وقد صرّح عكرمة في آخر الحديث أنه روى حديث رافع هذا بالمعنى، بخلاف الحديث السابق، فإن الظاهر فيه أنه روي باللفظ، وقد عبّر عكرمة الظنّ هنا بالرأي، فليس المراد اجتهاده -صلى الله عليه وسلم- في الأمور الشرعيّة؛ لأنه يجب اتّباعه فيه على الأمّة، كما دلّت عليه النصوص المتكاثرة المتظاهرة.

قال الشيخ وليّ الدهلويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: واجتهاده -صلى الله عليه وسلم- بمنزلة الوحي؛ لأن الله تعالى عصمه من أن يتقرّر رأيه على الخطأ، وليس يجب أن يكون اجتهاده استنباطًا من المنصوص، كما يُظنّ، بل أكثره أن يكون علّمه الله تعالى مقاصد الشرع، وقانون التشريع، والتيسير والأحكام، فبيّن المقاصد المتلقّاة بالوحي بذلك القانون، ومنه حِكَم مرسلة، ومصالح مطلقة لم يوقّتها، ولم يُبيّن حدودها؛ كبيان الأخلاق الصالحة، وأضدادها، ومستندها غالبًا الاجتهاد، بمعنى: أن الله تعالى علّمه قوانين الاتفاقات، فاستنبط منها حكمةً، وجعل فيها كلّيّة، ومنه فضائل الأعمال، ومناقب العمال، فبعضها مستند إلى الوحي، وبعضها إلى الاجتهاد. انتهى (٢).

وقوله: (قَالَ عِكْرِمَةُ) بن عمّار (أَو نَحْوَ هَذَا)؛ أي: أو قال -صلى الله عليه وسلم- نحو هذا الكلام، فيه أن عكرمة لم يتحقّق من لفظ: "من رأيي"، فإذًا لا ينافي ما سبق من لفظ: "إنما ظننت ظنًّا". قال النوويّ: قال العلماء: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من رأيي"؛ أي: في أمر الدنيا، ومعايشها، لا على التشريع، فأما ما قاله -صلى الله عليه وسلم- باجتهاده، ورآه شرعًا يجب العمل به، وليس إِبَارُ النخل من هذا النوع، بل من النوع المذكور قبله، مع أن لفظة الرأي إنما أتى بها عكرمة على المعنى، لقوله في آخر الحديث قال عكرمة: أو نحو هذا، فلم يخبر بلفظ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- محققًا، قال العلماء: ولم يكن هذا القول


(١) "المفهم" ٦/ ١٦٩ - ١٧٠.
(٢) "حجة الله البالغة" ١/ ١٢٨.