٣ - (ومنها): بيان عموم تسلّط الشيطان علي بني آدم برّهم وفاجرهم، إلا أن الله تعالى يحفظ عباده، كما وعد -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بذلك، حيث قال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢)} [الحجر: ٤٢]، وقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥)} [الإسراء: ٦٥].
وقد أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد، إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجنّ"، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال:"وإياي، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير".
وأخرج عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها ليلًا، قالت: فَغِرْت عليه، فجاء، فرأى ما أصنع، فقال:"ما لك يا عائشة؟ أَغِرْتِ؟ " فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقد جاءك شيطانك؟ " قالت: يا رسول الله، أوَ معي شيطان؟ قال:"نعم"، قلت: ومع كل إنسان؟ قال:"نعم"، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال:"نعم، ولكن ربي أعانني عليه، حتى أسلم".
وبالجملة فالأنبياء وعباد الله الصالحون محفوظون من كيده، وإن تعرّض لهم فلا سبيل له إلى إغوائهم بفضل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وإن أصابتهم غفلة، فأراد إغواءهم استيقظوا، واستدركوا، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)} [الأعراف: ٢٠١]، اللهم احفظنا من شرّ الشيطان، وشركه، وأن نقترف على أنفسنا سوءًا، أو نجرّه إلى مسلم، برحمتك يا أرحم الراحمين آمين.
(المسألة الرابعة): قال في "الفتح": قد طعن صاحب "الكشاف " في معنى هذا الحديث، وتوقف في صحته، فقال: إن صح هذا الحديث فمعناه: أن كل مولود يَطمع الشيطان في إغوائه، إلا مريم وابنها، فإنهما كانا معصومين، وكذلك من كان في صفتهما؛ لقوله تعالى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)} [ص: ٨٣]، قال: واستهلال الصبي صارخًا من مس الشيطان تخييل لِطَمعه فيه، كأنه يمسه، ويضرب بيده عليه، ويقول: هذا ممن أُغويه، وأما صفة النخس كما يتوهمه أهل الحشو فلا، ولو ملك إبليس على الناس نخسهم، لامتلأت الدنيا صراخًا. انتهى.