للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وزجر؛ أي: انزجر، وارتدع من أن تقول لي: "سرقت"، وفي رواية النسائيّ: "قال: لا"، (وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ)، وفي رواية البخاريّ: "كلّا، والذي لا إله إلا الله"، ومراده توكيد إنكاره بالحلف بالله تعالى.

(فَقَالَ عِيسَى) -عَلَيْهِ السَّلام- عند ذلك (آمَنْتُ بِاللهِ)؛ أي: بأمره أن الحالف يُصدّق إذا أمكن ذلك، أو بأنه عظيم لا ينبغي حرمان من توسّل باسمه إلى أمره. (وَكَذَّبْتُ نَفْسِي")، وفي رواية البخاريّ: "وكذّبت عيني وفي رواية النسائيّ: "وكذّبت بصري أي: حكمت، وأظهرت خطأه.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قال القاضي: ظاهر الكلام: صدّقت من حلف بالله تعالى، وكذّبت ما ظهر لي من ظاهر سرقته، فلعله أخذ ما له فيه حقّ، أو بإذن صاحبه، أو لم يقصد الغصب، والاستيلاء، أو ظَهَر له من مدّ يده أنه أخذ شيئًا، فلما حلف له أسقط ظنّه، ورجع عنه. انتهى (١).

وقال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا مشكلٌ من جهة أن العين لا تكذّب، وإنما يُكذّب القلب بظنّه، والذي يطابق: صدقتَ أيها الرجل، فإنه لم يمض لله في الواقعة خبرٌ، ولا ذِكر، فكيف يُصَدّق؟. قال:

[والجواب]: أن إضافة الكذب إلى العين إضافة الفعل إلى سببه؛ لأنها سبب لاعتقاد القلب، وأما قوله: "صدق الله"، فإشارة إلى إخبار الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأنه حَكَم في الظاهر بما ظهر، وفي الباطن بما يظنه، وأن الظاهر إذا تبيّن خلافه تُرك. انتهى. ذَكَره السيوطيّ في شرح النسائيّ (٢).

وفي رواية البخاريّ: "وكذّبتُ عَيْنَيَّ": قال في "الفتح": قوله: "وكذبت عينيّ" - بالتشديد على التثنية، ولبعضهم بالإفراد، وفي رواية المستملي: "كَذَبَتْ" بالتخفيف، وفتح الموحدة، و"عيني" بالإفراد في محل رفع، ووقع في رواية مسلم: "وكذّبتُ نفسي". قال ابن التين: قال عيسى -عَلَيْهِ السَّلام- ذلك على المبالغة في تصديق الحالف، وأما قوله: "وكذبت عيني"، فلم يُرِدْ حقيقة التكذيب، وإنما أراد: كذبت عيني في غير هذا، قاله ابن الجوزيّ، وفيه بُعْدٌ.


(١) "شرح النووي" ١٥/ ١٢١.
(٢) "زهر الربى في شرح المجتبى" ٨/ ٢٥٠.