ليس الطريق إلى محبة الله إلا اتباع حبيبه، ولا يتوصل إلى الحبيب بشيء أحسن من متابعة حبيبه ذلك رضاه.
قال: قال أبو عبد الرحمن السلمي: الحبيب يوجب اتباعه اسم المحبة لذلك، لم يوقع عليه هذا الاسم، فإن حاله أجلّ من أن يعبّر عنه بالمحبة؛ لأن متّبعيه استحقوا هذا الاسم بمتابعته، ألا ترى الله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} الآية [آل عمران: ٣١]، والخليل لا يوجب اتباعه، لذلك أطلق له اسم الخلة، قال: والحبيب يقسم به؛ لقوله:{لَعَمْرُكَ}[الحجر: ٧٢]، والخليل يقسم لقوله:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}[الأنبياء: ٥٧]، والحبيب يُبدأ بالعطاء من غير سؤال، لقوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)} [الشرح: ١]، والخليل يَسأل؛ لقوله:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} الآية [إبراهيم: ٤٠]، والحبيب مجاب إلى مراده؛ لقوله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} الآية [البقرة: ١٤٤]، والخليل ربما لا يجاب، ألا تراه قال:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: ١٢٤]، والحبيب شافع على ربه، ألا تراه حين يقول له:"ارفع رأسك، وَسَلْ تُعطه، واشفع تشفع"، والخليل مشفوع فيه، ألا تراه في القيامة، إذا التجأ إليه الخلق، كيف يقول: لست لها، والحبيب أزيل عنه الرَّوْعة من المشهد الأعلى بالكرم من المعراج لما يجيء من مقام الشفاعة، فلم يرعه شيء لِمَا تقدم من مشاهدة، فيفرغ للشفاعة لأهل الجمع عامة، فيقول:"أنا لها"، ثم لأمته خاصة، فقال:"أمتي، أمتي"، والخليل لم يزل عنه لذلك فرجع من وقت تنفّس جهنم وزفيرها إلى قوله:"نفسي، نفسي". انتهى (١).
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللهُ- أوّلَ الكتاب قال: