للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يوافق الجمع المذكور أن المائة وعشرين هي التي بقيت من عمره.

رابعها: أن العرب لا تزال تقول: خَلَوْن إلى النصف، فإذا تجاوزت النصف قالوا: بَقِين، والذي جمع به ابن طلحة يقع بالعكس، ويلزم أن يقول فيما إذا مضى من الشهر عشرة أيام: لعشرين بقين، وهذا لا يُعرف في استعمالهم.

ثم ذكر الاختلاف في سنّ إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلام-، وجزم بأنه لا يثبت منها شيء، منها: قول هشام ابن الكلبيّ، عن أبيه، قال: دعا إبراهيم الناس إلى الحج، ثم رجع إلى الشام، فمات به، وهو ابن مائتي سنة.

وذكر أبو حُذيفة البخاريّ، أحد الضعفاء في "المبتدأ" بسند له ضعيف، إن إبراهيم عاش مائة وخمسًا وسبعين سنةً.

وأخرج ابن أبي الدنيا من مرسل عُبيد بن عُمير في وفاة إبراهيم، وقصته مع ملَك الموت، ودخوله عليه في صورة شيخ، فأضافه، فجعل يضع اللقمة في فيه، فتتناثر، ولا تثبت في فيه، فقال له: كم أتى عليك؟ قال: مائة وإحدى وستون سنةً، فقال إبراهيم في نفسه، وهو يومئذ ابن ستين ومائة: ما بقي أن أصير هكذا إلا سنةٌ واحدةٌ، فكَرِه الحياة، فقبض ملك الموت حينئذ روحه برضاه.

قال الحافظ: فهذه ثلاثة أقوال مختلفة، يتعسر الجمع بينها، لكن أرجحها الرواية الثالثة، وخطر لي بعدُ أنه يجوز الجمع بأن يكون المراد بقوله: وهو ابن ثمانين، أنه من وقت فارق قومه، وهاجر من العراق إلى الشام، وأن الرواية الأخرى: وهو ابن مائة وعشرين؛ أي: من مولده، أو أن بعض الرواة رأى مائة وعشرين، فظنها إلا عشرين، أو بالعكس، والله أعلم (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره الحافظ من وجه الجمع لا يخفى ما فيه من التكلّف، والتعسّف، فالحقّ أن ما في الصحيح أصحّ، وهو أنه -عَلَيْهِ السَّلام- اختتن وهو ابن ثمانين سنة، وما عداه من الروايات مرجوحة، فلا يُلتفت إليها، والله تعالى أعلم.


(١) "الفتح" ١٤/ ٢٦٦، كتاب "الاستئذان" رقم (٦٢٩٨).