للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للبخاريّ: "إنك لم تأتني بإنسان، إنما أتيتني بشيطان"، في رواية: "ما أرسلتم إليّ إلا شيطانًا، أرجعوها إلى إبراهيم"، وهذا يناسب ما وقع له من الصرع، والمراد بالشيطان: المتمرد من الجن، وكانوا قبل الإسلام يعظّمون أمر الجن جدًّا، وَيرَوْن كل ما وقع من الخوارق مِنْ فِعلهم، وتصرّفهم، قاله في "الفتح".

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقول الجبَّار للذي جاءه بسارة: "إنما أتيتني بشيطان، ولم تأتني بإنسان" كلام يناقض قوله لها: "ادعي الله لي"، فيكون ذمُّه لها عنادًا، بعد أن ظهر له كرامتها على الله، أو إخفاء لحالها؛ لئلا يُتَحَدَّث بما ظهر عليها من الكرامة، فتَعْظُم في نفوس الناس، وتُتَّبع، فلبَّس على السامع بقوله: "إنما أتيتني بشيطان" (١).

(فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِي، وَأَعْطِهَا هَاجَرَ)، وفي رواية البخاريّ: "فَأَخْدَمها هاجر"؛ أي: وَهَبها لها لتخدمها؛ لأنه أعظمها أن تخدُم نفسها.

وقال في "الفتح": وفي رواية مسلم: "فأَخْرِجها من أرضي، وأعطها آجر"، ذكرها بهمزة بدل الهاء، وهي كذلك في رواية الأعرج، والجيم مفتوحة، على كل حال، وهي اسم سُريانيّ، ويقال: إن أباها كان من ملوك القبط، وإنها من حَفْن -بفتح الحاء المهملة، وسكون الفاء- قرية بمصر، قال اليعقوبيّ: كانت مدينةً. انتهى، وهي الآن كَفْر مِن عمل أنصنا بالبرّ الشرقيّ من الصعيد في مقابلة الأشمونين، وفيها آثار عظيمة باقية. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذه النسخة التي ذكرها في "الفتح" بأنها في "صحيح مسلم" بلفظ: "آجر" بالهمز لم أرها فيما بين يديّ من النسخ، بل كلها متّفقة على لفظ: "هاجر" بالهاء كما هو عند البخاريّ، ولعل الحافظ وقع في نسخته هكذا، فإنه إمام حافظ دقيق النقل والعزو، والله تعالى أعلم. (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (فَأَقْبَلَتْ) سارة، حال كونها (تَمْشِي، فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- انْصَرَفَ)؛ أي: من صلاته، والظاهر أنه وافق وقت خروجه من الصلاة، أو خرج منها؛ لشدّة ما أصابه من الغمّ والهمّ بشأنها، (فَقَالَ لَهَا: مَهْيَمْ؟) -بفتح


(١) "المفهم" ٦/ ١٨٦ - ١٨٧.
(٢) "الفتح" ٧/ ٦٤٧ - ٦٤٩، كتاب "الأنبياء" رقم (٣٣٥٧ و ٣٣٥٨).