وقوله:(عُرَاةً) بالضمّ جمع عار، وهو منصوب على الحال، والظاهر أن التعريّ ليس حرامًا في شريعتهم، ولذا أقرّهم موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- عليه، هذا هو الصحيح.
وأما ما قاله القرطبيّ: إنما كانت بنو إسرائيل تفعل ذلك معاندة للشرع، ومخالفة لموسى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو من جملة عتوِّهم، وقلّة مبالاتهم باتباع شرع موسى، ألا ترى أن موسى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستتر عند الغسل، فلو كانوا أهل توفيق، وعقل اتبعوه، ثم لَمْ يَكْفهم مخالفتهم له حتى آذوه بما نسبوا إليه من آفة الأُدْرة، فأظهر الله تعالى براءته مما قالوا بطريق خارق للعادة، زيادة في أدلة صدق موسى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومبالغة في قيام الحجة عليهم. انتهى (١).
ففيه نظر لا يخفي، بل الصواب أن هذا كان جائزًا في شرعهم، ولذا لَمْ يظهر من موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- إنكار، ولا يمكن أن يسكت على المنكر، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقوله:(فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ) قيل: إنه الحجر الذي كان يحمله معه في الأسفار، فيضربه، فتفجّر منه الماء.
وقوله:(فَجَمَحَ مُوسَى)؛ أي: أسرع في مشيه خلف الحجر؛ ليأخذ ثوبه، والْجَمُوح من الخيل: هو الذي يركب رأسه في إسراعه، ولا يَثْنيه شيء، وهو عيب فيها؛ وإنَّما أُطلق على إسراع موسى خلف الحجر جماحًا؛ لأنَّه اشتدَّ خلفه اشتدادًا لا يُثنيه شيء عن أخْذ ثوبه، وهو مع ذلك ينادي:"ثوبي حجر! ثوبي حجر! "، كلُّ ذلك استعظام لكشف عورته، فسبقه الحجر إلى أن وصل إلى جَمْع بني إسرائيل، فنظروا إلى موسى -عَلَيْهِ السَّلَام-، فكذَّبهم الله في قولهم، وقامت