للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثَوْبِي حَجَرُ)؛ أي: دع لي ثوبي يا حجر، تقدّم البحث فيه قبله، وقوله: (ثَوْبِي حَجَرُ) كرّره للتأكيد، (حَتَّى وَقَفَ) ذلك الحجر (عَلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ)؛ أي: على جماعة منهم، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-: الملأُ مهموزٌ: أشراف القوم، سُمُّوا بذلك؛ لِمَلاءتهم بما يُلْتَمَس عندهم من المعروف، وجَوْدة الرأي، أو لأنهم يَملئُونَ العيون أُبَّهَةً، والصدور هَيْبَةً، والجمع: أَمْلاءٌ، مثل سَبَبٍ وأسباب. انتهى (١).

(وَنَزَلَتْ) تصديقًا لهذا الحديث، والفاعل قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. . .} إلخ، فهو محكيّ؛ لِقَصْد لفظه، وإنما أنّث الفعل بتأويله بالآية. ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩)} [الأحزاب: ٦٩]).

قال الإمام ابن جرير الطبريّ -رَحِمَهُ اللهُ- مفسّرًا للآية: يقول تعالى ذِكره لأصحاب نبيّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا تؤذوا رسول الله بقول يكرهه منكم، ولا بفعل لا يحبه منكم، ولا تكونوا أمثال الذين آذوا موسى نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَرَموه بعيب كذبًا وباطلًا، فبرّأه الله مما قالوا فيه من الكذب، والزور بما أظهر من البرهان على كذبهم، وكان عند الله وجيهًا، يقول: وكان موسى عند الله مُشَفَّعًا فيما يسأل، ذا وجه، ومنزلة عنده بطاعته إياه. انتهى (٢).

قال ابن جرير: ثم اختَلَف أهل التأويل في الأذى الذي أوذي به موسى الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: رموه بأنه آدر، ثم أخرج حديث الباب بأسانيده، ثم قال: وقال آخرون: بل كان أذاهم إياه ادعاءهم عليه قتل هارون أخيه، ثم ذكر بسنده عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- في قول الله: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} الآية قال: صَعِد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل: أنت قتلته، وكان أشدّ حبًّا لنا منك، وألْين لنا منك، فآذوه بذلك، فأمر الله الملائكة، فحملته، حتى مروا به على بني إسرائيل، وتكلمت الملائكة بموته، حتى عرف بنو إسرائيل أنه قد


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٨٠.
(٢) "تفسير الطبريّ" ٢٢/ ٥٠.