اليشع، أخت لحنّة امرأة عمران، وأم مريم، فكانت زوجة زكريا -عَلَيْهِ السَّلَام- خالة لمريم -عَلَيْهِ السَّلَام-، وكان زكريا من سلالة داود -عَلَيْهِ السَّلَام-، وزوجته من ذريّة هارون -عَلَيْهِ السَّلَام-.
وقال ابن إسحاق: كان زكريا وابنه آخر من بُعث من بني إسرائيل قبل عيسى، وقال أيضًا: أراد بنو إسرائيل قتل زكريا، ففرّ منهم، فمرّ بشجرة، فانفلقت له، فدخل فيها، فالتأمت عليه، فأخذ الشيطان بهُدبة ثوبه، فرأوها، فوضعوا المنشار على الشجرة، فنشروها حتى قطعوه من وسطه في جوفها.
وأما يحيى فقُتِل بسبب امرأة أراد مَلِكهم أن يتزوجها، فقال له يحيى: إنها لا تحلّ لك؛ لكونها كانت بنت امرأته، فتوصلت إلى الملك حتى قَتَل يحيى، قال ابن إسحاق: كان ذلك قبل أن يُرْفَع عيسى، ورَوَى أصلَ هذه القصة الحاكم في "المستدرك" من حديث عبد الله بن الزبير، وروى أيضًا من حديث ابن عباس أن دم يحيى كان يفور، حتى قَتَل عليه بختنصر من بني إسرائيل سبعين ألفًا، فسَكَن، ذكره في "الفتح"(١).
(نَجَّارًا") -بفتح النون، وتشديد الجيم- صيغة مبالغة مِن نَجَر الخشبةَ نجرًا، من باب نصر: إذا نَحَتَها، والحرفة: النِّجارة بالكسر؛ كالتجارة، والزراعة، والحياكة، ونحوها.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا يدلّ على شرف النجارة، وعلى أنَّ التحرُّف بالصناعات لا يغض من مناصب أهل الفضائل، بل نقول: إن الْحِرَف والصناعات غير الركيكة زيادة في فضيلة أهل الفضل، يحصل لهم بذلك التواضع في أنفسهم، والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخالي عن الامتنان الذي هو خير المكاسب، كما قد نصَّ عليه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث قال: "إن خير ما أكل المرء من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"، رواه البخاريّ.
وقد نُقل عن كثير من الأنبياء أنهم كانوا يحاولون الأعمال، فأوّلهم آدم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علَّمه الله صناعة الحراثة، ونوح - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علّمه الله صناعة النجارة، وداود - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علَّمه الله صناعة الحدادة، وقيل: إن موسى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان كاتبًا، كان يكتب التوراة