(فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى، بَلْ عَبْدُنَا الْخَضِرُ)؛ أي: هو أعلم، و"بل" بإسكان اللام، والتقدير: فأوحى الله إليه لا تُطلق النفي، بل قل: خضرٌ، وإنما قال:"عبدنا"، وإن كان السياق يقتضي أن يقول: عبد الله؛ لكونه أورده على طريق الحكاية عن الله -سبحانه وتعالى-، والإضافة فيه للتعظيم، قاله في "الفتح"(١)، وعزا رواية "بل" للكشميهنيّ، والأكثرون رووا "بلى".
وقال في "العمدة": و"بل" للإضراب، وهو من حروف العطف، فإن قلت: ما المعطوف عليه المضروب عنه؟ قلت: مقدَّر تقديره: أوحى الله إليه: لا تقل: لا، بل عبدنا خضر؛ أي: قل: الأعلم عبدك خضر، فإن قلت: فعلى هذا كان ينبغي أن يقول: بل عبد الله، أو عبدك، قلت: وَرَدَ على طريقة الحكاية عن قول الله تعالى. انتهى.
(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ)؛ أي: الطريق الموصل إليه، (فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الْحُوتَ) السمكة، (آيَةً)؛ أي: علامة على محلّ الخضر، (وَقيلَ لَهُ) القائل هو الله تعالى، (إِذَا افْتَقَدْتَ)، وفي بعض النسخ:"إذا فقدتَ"(الْحُوتَ فَارْجِعْ) إلى محل فَقْده (فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ)؛ أي: ستلقى خضرًا في ذلك المحلّ. (فَسَارَ مُوسَى)؛ أي: مع فتاه، (مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسِيرَ، ثُمَّ قَالَ لِفَتَاهُ)؛ أي: لصاحبه، وهو يوشع بن نون، وإنما قال: فتاه؛ لأنه كان يخدمه، ويتبعه، وقيل: كان يأخذ العلم عنه. ({آتِنَا غَدَاءَنَا}، فَقَالَ فَتَى مُوسَى حِينَ سَأَلَهُ الْغَدَاءَ:{أَرَأَيْتَ})؛ أي: أخبرني ما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة؛ أي: لجأنا ({إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ})؛ أي: نسيت ذِكر شأنه، وقصة انسلاله من المكتل، واضطرابه في البحر حيًّا، ({وَمَا أَنْسَانِيهُ}) تقدم أن ضم الهاء رواية حفص، والباقون بالكسر. ({إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}، فَقَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ:{ذَلِكَ})؛ أي: فقدان الحوت، ({مَا})؛ أي: الذي ({كُنَّا نَبْغِ})؛ أي: نطلبه بسفرنا هذا، ({فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا})؛ أي: رجعا من الطريق الذي سلكاه يقصّان الأثر؛ أي: يتّبعان أثر قدمهما حتى لا يخطآ المكان، (فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا)؛ أي: من شأن موسى والخضر، (مَا)؛ أي: الذي (قَصَّ اللهُ)؛ أي: ذكره الله -عز وجل- (في كِتَابِه")؛ أي: القرآن الكريم.