للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورد في القرآن إيماءً، لا نصًّا، نَعَم النصّ الصريح في تفضيل من أنفق من قبل الفتح وقاتل.

وقد اختُلِف في السابقين، فقيل كما قال الشعبيّ: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان عام الحديبية، رواه سُنيد، وعبد في "تفسيره" بسند صحيح عنه، وقال محمد بن كعب القرطبيّ، وعطاء بن يسار: أهل بدر، حكاه ابن عبد البرّ عن سنيد بسند ضعيف إليهما. وقيل: هم أهل القبلتين الذين صَلَّوا إليهما مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قاله أبو موسى الأشعريّ، ورواه سنيد وعبد أيضًا بسند صحيح عن سعيد بن المسيِّب، وابن سيرين، وقتادة، وهو عند عبد الرزاق في "تفسيره"، ومن طريقه عبدٌ، عن قتادة وحده، وكذا رُوي عن الحسن. وعن الحسن كما رواه سنيد بسند صحيح عنه أنهم الذين كان إسلامهم قبل فتح مكة.

وصحَّح بعض المتأخرين أنهم الذين آمنوا، وهاجروا قبل بيعة الرضوان، وصلح الحديبية، لقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الآية [الحديد: ١٠]، قال: والفتح هو صلح الحديبية على الأرجح، وفيها نزلت: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)} [الفتح: ١]، ولذا لمّا سئل ابن تيمية عن المفاضلة بين العباس وبلال -رضي الله عنهما-، قال: بلال وأمثاله من السابقين الأولين أفضل من العباس، وأمثاله من التابعين لهم بإحسان؛ لأنه قيّد التابعين بشرط الإحسان.

والحاصل: أن من قاتل مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو في زمانه بأمره، وأنفق شيئًا من ماله بسببه، لا يعدِله في الفضل أحد بعده كائنًا من كان.

ورَوَى ابن جرير وغيره عن محمد بن كعب القرظيّ قال: مَرّ عمر -رضي الله عنه- برجل يقرأ: {وَالسَّابِقُونَ. . .} الآية، فأخذ بيده، فقال: من أقرأك هذا؟ فقال: أُبيّ بن كعب، فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه، فلما جاءه قال له عمر: أأنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم، قال: سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، قال: لقد كنتُ أرى أَنَّا رُفِعنا رِفعةً لا يبلغها أحد بعدنا، فقال أُبي: تصديق هذه الآية في أول "سورة الجمعة": {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣)} [الجمعة: ٣]، وفي "سورة الحشر": {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الآية [الحشر: ١٠]،