للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فخذه أنه كان مجردًا عن الثوب الذي يخرج به للناس، وليس عليه إلا ثوب مهنة، وذلك هو اللائق بكمال حيائه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد استدلّ بهذا الحديث البخاريّ وغيره على أن الفخذ ليست بعورة، واعترضه الإسماعيليّ بأنه لا تصريح فيه بعدم الحائل، ولا يقال: الأصل عدمه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح في المسألة ما قاله البخاريّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه": "حديث أنس أسند (٢)، وحديث جرهد أحوط، حتى يُخرج من اختلافهم"؛ يعني: أن الأَولى العمل بحديث جرهد المذكور، فإنه صريح في كون الفخذ عورةً، خروجًا من الخلاف، وإن كان حديث أنس الذي دلّ على أن الفخذ ليست بعورة أقوى سندًا، والله تعالى أعلم.

٤ - (ومنها): جواز تدلّل العالم والفاضل بحضرة من يُدِلّ عليه من فضلاء أصحابه، واستحباب تَرْك ذلك إذا حضر غريب، أو صاحب يستحي منه، قاله النوويّ (٣).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وفيه دليلٌ على جواز معاشرة كل واحد من الأصحاب بحَسَب حاله، ألا ترى انبساطه، واسترساله مع العُمَرَين -رضي الله عنهما- على الحالة التي كان عليها مع أهله، لم يُغيِّر منها شيئًا، ثم إنه لمّا دخل عثمان -رضي الله عنه- غيَّر تلك التي كان عليها، فغطى فخذيه، وتهيَّأ له، ثم لمّا سُئل عن ذلك، قال: "إن عثمان رجل حييّ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال ألا يَبْلُغ إليَّ في حاجته"، وفي الرواية الأخرى: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟! "؛ أي: حياء التوقير والإجلال، وتلك منقبة عظيمة، وخصوصيَّة شريفة ليست لغيره، أعْرَض قَتَلَةُ عثمان -رضي الله عنه- عنها، ولم يُعرِّجوا عليها. انتهى (٤)، والله تعالى أعلم.


(١) "فيض القدير على الجامع الصغير" للمناويّ ٤/ ٤٠٤.
(٢) أراد البخاريّ بحديث أنس ما أخرجه في "صحيحه"، مطوّلًا، وفيه: "فأجرى نبيّ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في زُقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبيّ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم حسر الإزار عن فخذه، حتى إني انظر إلى بياض فخذ نبيّ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- … " الحديث.
(٣) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٦٨.
(٤) "المفهم" ٦/ ٢٦٣.