قال أحمد، وإسماعيل القاضي، والنسائيّ، وأبو علي النيسابوريّ: لم يَرِد في حقّ أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في عليّ -رضي الله عنه-، وكأنّ السبب في ذلك أنه تأخر، ووقع الاختلاف في زمانه، وخروج من خرج عليه، فكان ذلك سببًا لانتشار مناقبه، من كثرة من كان بيَّنها من الصحابة ردًّا على من خالفه، فكان الناس طائفتين، لكن المبتدعة قليلة جدًّا، ثم كان من أمر عليّ ما كان، فنجمت طائفة أخرى حاربوه، ثم اشتدّ الخطب، فتنقّصوه، واتخذوا لَعْنه على المنابر سنةً، ووافقهم الخوارج على بُغضه، وزادوا حتى كفّروه مضمومًا ذلك منهم إلى عثمان -رضي الله عنه-، فصار الناس في حقّ عليّ ثلاثةً: أهل السُّنَّة، والمبتدعة من الخوارج، والمحاربين له من بني أمية وأتباعهم، فاحتاج أهل السُّنَّة إلى بثّ فضائله، فكثر الناقل لذلك؛ لكثرة من يخالف ذلك، وإلا فالذي في نفس الأمر أن لكلّ من الأربعة من الفضائل، إذا حُرِّر بميزان العدل لا يخرج عن قول أهل السُّنَّة والجماعة أصلًا.
وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح، عن عروة، قال: أسلم عليّ، وهو ابن ثمان سنين، وقال ابن إسحاق: عشر سنين، وهذا أرجحها، وقيل غير ذلك، ذَكَره في "الفتح"(١).
وفي "الإصابة" ما ملخّصه: وشهد عليّ -رضي الله عنه- معه -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها إلا غزوة تبوك، فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة:"ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، ولمّا آخى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه قال له:"أنت أخي"، وكان قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والإقدام.
وكان قَتْل عليّ -رضي الله عنه- في ليلة السابع عشر من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، ومدة خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ونصف شهر؛ لأنه بويع بعد قتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكانت وقعة الجمل في جمادى سنة ست وثلاثين، ووقعة صفين في سنة سبع وثلاثين، ووقعة النهروان مع الخوارج في سنة ثمان وثلاثين، ثم أقام سنتين يُحَرِّض على قتال البغاة، فلم
(١) "الفتح" ٨/ ٤١٩ - ٤٢٠، كتاب "الفضائل" رقم (٣٧٠١).