للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفَضْله إلى أن تَرَك الْمُلك والدنيا رغبة فيما عند الله. ومما يدلّ على صحة ذلك، وعلى صدق النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وصحة نبوّته ما قد اشتهر من حال الحسن، وتواتر من قضيَّة خلافته، وإصلاحه بين المسلمين، وذلك أنه لمّا قُتِل عليّ -رضي الله عنه - بايعه أكثر من أربعين ألفًا، وكثير ممن تخلَّف عن أبيه، وممن نكث بيعته، فبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق، وما وراءها من خراسان، ثم سار إلى معاوية في أهل الحجاز، والعراق، وما وراءها من خراسان، ثم سار إليه معاوية في أهل الشام، فلما تراءى الجمعان بموضع، يقال له: مَسْكَن، من أرض السواد بناحية الأنبار، كره الحسن القتال؛ لِعِلمه أن إحدى الطائفتين لا تغلب حتى يهلكَ أكثر الأخرى، فيهلك المسلمون، فسلَّم الأمر لمعاوية على شروط شَرَطها عليه، منها: أن يكون الأمر له من بعد معاوية، فالتزم كل ذلك معاوية، واجتمع الناس على بيعته في النصف من جمادى الأولى من سنة إحدى وأربعين. هذا أصح ما قيل في ذلك، ولمّا فعل ذلك الحسن عَتَب عليه أصحابه، ولاموه على ذلك؛ حتى قال له بعض أصحابه: يا عار المؤمنين! فقال: العار خير من النار. وقال له شيخ من أهل الكوفة يكنى أبا عامر لمّا قَدِمها: السلام عليك يا مُذِلّ المؤمنين، فقال له: لا تقل ذلك يا أبا عامر! فإني لم أذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب المُلك. فقد ظهر ما قاله سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- من أن الحسن سيِّد، وأن الله أصلح به بين فئتين من المسلمين، لكن خُشي من طول عمره فسُمَّ فمات من فوره، ونقل الثقات: أنه لمّا سُمَّ لفظ قِطَعًا من كبده، وحينئذ قال: لقد سُقيتُ السُّمَّ ثلاث مرات لم أُسقَ مثل هذه المرة، فقال له الحسين: يا أخي من سقاك؟ قال: وما تريد إليه؟ أتريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان الذي أظن؛ فالله أشد نقمة، ولئن كان غيره فما أحب أن يُقتل بي بريء. ولمّا وَرَدَ البريد بموته على معاوية قال: يا عجبًا من الحسن! شرب شربة من عسل بماء رُومة فقضى نحبه. انتهى (١).

وأما الحسين: فهو ابن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشميّ، أبو عبد الله، سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وريحانته، قال الزبير وغيره: وُلد


(١) "المفهم" ٦/ ٢٩٥ - ٢٩٧.