للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأمكن من يده، فأُتي به عبيد الله، فأمر به، فأُصعد إلى القصر، ثم قتله، وقتل هانئ بن عروة، وصلبهما، فقال شاعرهم في ذلك أبياتًا منها [من الطويل]:

فَإِنْ كُنْتِ لَا تَدْرِينَ مَا الْمَوَتُ فَانْظُرِي … إِلَى هَانِئٍ فِي السُّوقِ وَابْنِ عَقِيلِ

ولم يبلغ الحسين ذلك حتى كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال، فلقيه الحرّ بن يزيد التميميّ، فقال له: ارجع، فإني لم أَدَعْ لك خلفي خيرًا، وأخبره الخبر، فهَمَّ أن يرجع، وكان معه إخوة مسلم، فقالوا: والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا، أو نُقتل، فساروا، وكان عبيد الله قد جهّز الجيش لملاقاته، فوافوه بكربلاء، فنزلها ومعه خمسة وأربعون نفسًا من الفرسان، ونحو مائة راجل، فلقيه الحسين، وأميرهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، وكان عبيد الله ولّاه الريّ، وكَتَب له بعهده عليها إذا رجع من حرب الحسين، فلما التقيا قال له الحسين: اختر مني إحدى ثلاث، إما أن ألحق بثغر من الثغور، وإما أن أرجع إلى المدينة، وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية، فقَبِل ذلك عمر منه، وكَتَب به إلى عبيد الله، فكَتَب إليه: لا أقبل منه حتى يضع يده في يدي، فامتنع الحسين، فقاتَلوه، فقُتل معه أصحابه، وفيهم سبعة عشر شابًا من أهل بيته، ثم كان آخر ذلك أن قُتل، وأُتي برأسه إلى عبيد الله، فأرسله ومن بقي من أهل بيته إلى يزيد، ومنهم علي بن الحسين، وكان مريضًا، ومنهم عمته زينب، فلما قَدِموا على يزيد أدخلهم على عياله، ثم جهَّزهم إلى المدينة. انتهى ملخّصًا من "الإصابة" (١).

وقال القرطبيّ رحمه اللهُ: وأما الحسين -رضي الله عنه -: فكان فاضلًا، ديِّنًا، كثير الصوم، والصلاة، والحج، قال مصعب الزبيري: حجَّ الحسين خمسًا وعشرين حجَّة ماشيًا، وقد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيه وفي الحسن: "إنهما سيِّدا شباب أهل الجنة"، وقال: "هما رَيْحانتاي من الدنيا"، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إذا رآهما هشَّ لهما، وربما أخذهما، كما روى أبو داود: أنهما دخلا المسجد، وهو يخطب، فقطع خطبته، ونزل فأخذهما، وصعد بهما، وقال: "رأيت هذين، فلم أصبر"، وكان يقول فيهما: "اللهم إني أُحبهما، فأَحِبَّهما، وأحِبَّ من يحبهما"،


(١) راجع: "الإصابة في تمييز الصحابة" ٢/ ٦٨ - ٧٣.