للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أوله، جمع نعمة، والأشهر الأول. (ثَرِيًّا) بمثلثة؛ أي: كثيرةً، والثريّ: المال الكثير من الإبل، وغيرها، يقال: أثرى فلان فلانًا: إذا كَثَرَه، فكان في شيء من الأشياء أكثر منه، وذكّر "ثريًّا"، وإن كان وصف مؤنث لمراعاة السجع، ولأن كل ما ليس تأنيثه حقيقيًّا يجوز فيه التذكير والتأنيث. (وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ) براء، وتحتانية، ومهملة، في الرواية التالية عند مسلم: "ذابحة" بمعجمة، ثم موحّدة، ثم مهملة؛ أي: مذبوحة مثل عِيشة راضية؛ أي: مرضية، فالمعنى: أعطاني من كل شيء يُذبح زوجًا، وفي رواية الطبرانيّ: "من كل سائمة"، والسائمة: الراعية، والرائحة: الآتية وقت الرواح، وهو آخر النهار. (زَوْجًا)؛ أي: اثنين من كل شيء، من الحيوان الذي يَرعَى، والزوج يُطلق على الاثنين، وعلى الواحد أيضًا، وأرادت بذلك كثرة ما أعطاها، وأنه لم يقتصر على الفرد من ذلك. (قَالَ) وفي رواية البخاريّ: "وقال" بالواو، (كُلِي أُمَّ زَرْعٍ، وَمِيرِي أَهْلَكِ)؛ أي: صِلِيهم، وأوسعي عليهم بالميرة، بكسر الميم، وهي الطعام.

والحاصل: أنها وصفته بالسؤدد في ذاته، والشجاعة، والفضل، والجود، بكونه أباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله، وتُهدي منه ما شاءت لأهلها مبالغةً في إكرامها، ومع ذلك فكانت أحواله عندها محتقرة بالنسبة لأبي زرع، وكان سبب ذلك أن أبا زرع كان أول أزواجها، فسكنت محبته في قلبها، كما قال الشاعر [من الكامل]:

نَقِّلْ فُؤَادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الْهَوَى … مَا الْحُبُّ إِلَّا لِلْحَبِيبِ الأَوَّلِ

كَمْ مَنْزِلٍ فِي الأَرْضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى … وَحَنِينُهُ أَبَدًا لأوَّلِ مَنْزِلِ (١)

زاد أبو معاوية في روايته: "فتزوجها رجل آخر، فأكرمها أيضًا، فكانت تقول: أكرَمني، وفَعَل لي، وتقول في آخر ذلك: لو جمع ذلك كله".

(فَلَوْ جَمَعْتُ) في رواية الهيثم: "فجمعت ذلك كله"، وفي رواية الطبرانيّ: "فقلت: لو كان هذا أجمع في أصغر"، (كُلَّ شَيْءٍ) في رواية للنسائيّ: "كل الذي" (أَعْطَانِي) في رواية البخاريّ: "أعطانيه" بالهاء، (مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ) وفي رواية ابن أبي أويس: "ما ملأ إناءً من آنية أبي


(١) "شرح الأبيّ" ٦/ ٢٧٧.