سماع الكلام فيه؛ لأنه لا يتأذى إلا إذا عَرَف أن من ذُكر عنده يَعرفه، ثم إن هؤلاء الرجال مجهولون، لا تُعرف أسماؤهم، ولا أعيانهم، فضلًا عن أسمائهم، ولم يثبت للنسوة إسلام، حتى يجري عليهنّ حكم الغيبة، فبطل الاستدلال به، لِمَا ذُكر.
١٥ - (ومنها): أن فيه تقويةً لمن كَرِه نكاح من كان لها زوج؛ لِمَا ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام زوجها الثاني لها بقَدْر طاقته، ومع ذلك حقّرته، وصغّرته بالنسبة إلى الزوج الأول.
١٦ - (ومنها): أن الحب يستر الإساءة؛ لأن أبا زرع مع إساءته لها بتطليقها، لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه، إلى أن بلغت حدّ الإفراط والغلوّ، وقد وقع في بعض طرقه إشارة إلى أن أبا زرع نَدِمَ على طلاقها، وقال في ذلك شعرًا، ففي رواية عُمر بن عبد الله بن عروة، عن جدّه، عن عائشة -رضي الله عنها-؛ أنها حدّثت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، عن أبي زرع، وأم زرع، وذكرت شعر أبي زرع على أم زرع.
١٧ - (ومنها): جواز وصف النساء، ومحاسنهنّ للرجل، لكن محله إذا كنّ مجهولات، والذي يُمنع من ذلك وصف المرأة المعيّنة بحضرة الرجل، أو أن يَذكر من وصفها ما لا يجوز للرجال تعمّد النظر إليه.
١٨ - (ومنها): أن التشبيه لا يستلزم مساواة المشبَّه بالمشبَّه به من كل جهة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "كنت لك كأبي زرع"، والمراد ما بيَّنه بقوله في رواية الهيثم:"في الألفة. . ." إلى آخره، لا في جميع ما وُصف به أبو زرع من الثروة الزائدة، والابن، والخادم، وغير ذلك، وما لم يُذكر من أمور الدين كلها.
١٩ - (ومنها): أن كناية الطلاق لا توقعه، إلا مع مصاحبة النية، فإنه -صلى الله عليه وسلم- تشبّه بأبي زرع، وأبو زرع قد طلَّق، فلم يستلزم ذلك وقوع الطلاق، لكونه لم يقصد إليه.
٢٠ - (ومنها): جواز التأسي بأهل الفضل، من كل أمة؛ لأن أم زرع أخبرت عن أبي زرع بجميل عِشرته، فامتثله النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كذا قال المهلَّب، واعترضه عياض، فأجاد، وهو أنه ليس في السياق ما يقتضي أنه تأسى به، بل فيه أنه أخبر أنّ حاله معها مثل حال أم زرع، نَعَم ما استنبطه صحيح باعتبار أن