أي: أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -، (لَهَا)؛ أي: لأم أيمن: (مَا) استفهاميّة، (يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)؛ المعنى: أن البكاء على الشخص إنما يكون عند فَقْده شيئًا مما يُحبه، ويفرح من أجله، ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انتقل إلى الدار الآخرة التي هي خير له، وأحب إليه، كما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤)} [الضحى: ٤]، فكيف تبكين عليه؟ (فَقَالَتْ) أم أيمن - رضي الله عنها -: (مَا أَبْكِي أَنْ) مصدريّة، (لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)؛ المعنى: أني لا أبكي لعدم علمي بخيريّة ما عند الله تعالى لرسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، (وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "أن" المشدّدة مفتوحة؛ لأنَّها معمولة لـ "أبكي" بإسقاط حرف الجر، تقديره: أبكي لأنّ، أو من أجل أنّ؛ تعني: أن الوحي لمّا انقطع بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمِل الناس بآرائهم، فاختلفت مذاهبهم، فوقع التنازع والفتن، وعَظُمت المصائب والمحن، ولذلك نَجَم بعده النفاق، وفشا الارتداد، والشقاق، ولولا أن الله تعالى تدارك الدِّين بثاني اثنين -يعني: أبا بكر - رضي الله عنه - لَمَا بقي منه أثر ولا عين. انتهى (١).
(فَهَيَّجَتْهُمَا)؛ أي: أثارت أبا بكر، وعمر - رضي الله عنهما - (عَلَى الْبُكَاء، فَجَعَلَا)؛ أي: شرعا (يَبْكِيَانِ مَعَهَا) لَمّا تذكّرا ما ذكرته أم أيمن رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [١٨/ ٦٢٩٨](٢٤٥٤)، و (ابن ماجه) في "الجنائز"(١٦٣٥)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه"(٧/ ٤٢٨)، و (أبو يعلى) في "مسنده"(١/ ٧١)، و (أبو نعيم) في "الحلية"(٢/ ٦٨)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٧/ ٩٣)، والله تعالى أعلم.