وقال القرطبيّ -رحمه الله -: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فبدأ به" ليس فيه دليل على أنه أقرأ من أُبي، فإنَّه قد بيَّن - صلى الله عليه وسلم - بالنص الجليّ أن أُبيًّا أقرأ منه، ومن غيره، فيَحْتَمِل أن يقال: إن الموجب لابتدائه اختصاصه به، وملازمته إياه، وحضوره في ذهنه، لا أنه أقرأ الأربعة، والله تعالى أعلم.
وهذا كله بناء على: أن المقدَّم من المعطوفات له مزيَّة على المتأخر، وفيه نظر قد تقدَّم في "الطهارة"، وفي "الحج"، وتخصيص هؤلاء الأربعة بالذّكر دون غيرهم ممن حَفِظ القرآن من الصحابة -رضي الله عنه -، وهم عدد كثير كما يأتي؛ لأنَّ هؤلاء الأربعة هم الذين تفرغوا لإقراء القرآن، وتعليمه دون غيرهم، ممن اشتغل بغير ذلك من العلوم، أو العبادات، أو الجهاد، وغير ذلك، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك من النبيّ -صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه عَلِم أنهم هم الذين ينتصبون لتعليم الناس القرآن بعده، وليؤخذ عنهم؛ فأحال عليهم لِمَا عَلِم من مآل أمرهم، كما قد أظهر الموجود من حالهم؛ إذ هم أئمة القرَّاء، وإليهم تنتهي في الغالب أسانيد الفضلاء، والله أعلم. انتهى (١).
وقوله:(وَحَرْفٌ لَمْ يَذْكُرْهُ زُهَيْرٌ)"حرفٌ" خبر مقدّم عن قوله: "قوله"، وقوله:"لم يذكره زهير" جملة في محل رفع صفة لـ "حرفٌ"، وقوله:"يقوله " مقول القول محكيّ؛ لِقَصْد لفظه.
والمعنى: أن شيخه الثاني، وهو زهير بن حرب خالف شيخيه الأول، والثالث بشيء تَرك ذِكره، وهو (قَوْلُهُ: يَقُولُهُ)؛ أي: ترك ذِكر هذه الجملة التي في قوله: "بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - يَقُولُهُ".
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام شرحه، وبيان مسائله في الحديث الماضي، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رحمه الله - أوّلَ الكتاب قال: