وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: دعا له النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأكثر مما طلب بالثبوت مطلقًا، وبأن يجعله هاديًا لغيره، ومهديًّا في نفسه، فكان كل ذلك، وظهر عليه جميع ما دعا له به، وأول ذلك أنه نَفَر في خمسين ومئة فارس لذي الْخَلَصة، فحرّقها، وعَمِل فيها عملًا لا يعمله خمسة آلاف، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذي الكلاع، وذي رُعَيْن، وله المقامات المشهورة. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث جرير بن عبد الله البجليّ - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٢٩/ ٦٣٤٣ و ٦٣٤٤](٢٤٧٥)، و (البخاريّ) في "الجهاد"(٣٠٣٥ و ٣٠٣٦) و"فضائل الصحابة"(٣٨٢٢) و"الأدب"(٦٠٦٩ و ٦٠٩٠)، و (الترمذيّ) في "المناقب"(٣٨٢٢) وفي "الشمائل"(٢٣٠ - ٢٣١)، و (النسائيّ) في "الكبرى"(٥/ ٨٢ و ١٨٣ و ٢٠٤ و ٦/ ١٣٤)، و (ابن ماجه) في "المقدّمة"(١٥٩)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٧٢٠١)، و (الطبرانيّ) في "الكبير"(٢٢٥٤)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان فضل الصحابيّ الجليل جرير بن عبد الله البجليّ - رضي الله عنه -.
٢ - (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حُسن الخُلق، وطِيْب المعاملة للناس حسب درجاتهم، فكان يُكرم كريم قوم، ويزيده كرامة على كرامته، فلما كان جرير - رضي الله عنه - شريفًا في قومه خصّه بمزايا اللطف والإكرام، فكان لا يحجبه إذا جاءه، ويتبسّم في وجهه إذا رآه.
٣ - (ومنها): بيان أن الرجل الوجيه في قومه له حرمة ومكانة على من هو دونه؛ لأن جريرًا - رضي الله عنه - كان سيد قومه، وقد تقدّم في "المقدّمة" حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت:"أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننزّل الناس منازلهم"، والحديث وإن كان فيه انقطاع، إلا أن مسلمًا ذكره في موضع الاحتجاج، ولعله صحّ