للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُوسَى عليه السلام) قال المهلَّب رَحِمَهُ اللهُ: هذا وَهَمٌ من بعض رواته؛ لأنه لم يَأْتِ أثرٌ ولا خبرٌ أن موسى حيّ وأنه سيحجّ، وإنما أتى ذلك عن عيسى، فاشتبه على الراوي، ويدل عليه قوله في الحديث الآخر: "لَيُهِلَّنَّ ابن مريم بفَجّ الرَّوْحَاء". انتهى.

فتعقّبه الحافظ رَحِمَهُ اللهُ، فقال: وهو تغليطٌ للثقات بمجرد التوهم، فسيأتي في "كتاب اللباس" من البخاريّ بالإسناد المذكور بزيادة ذكر إبراهيم فيه، أفيقال: إن الراوي غَلِطَ، فزاده؟ وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية، عن ابن عباس بلفظ: "كأني أنظر إلى موسى هابطًا من الثنية، واضعًا إصبعيه في أذنيه مارًّا بهذا الوادي، وله جؤارٌ إلى الله بالتلبية"، قاله لما مَرّ بوادي الأزرق، واستفيد منه تسمية الوادي، وهو خَلْفَ أَمَجٍ بينه وبين مكة ميل واحد، قال: وفي هذا الحديث أيضًا ذكر يونس، أفيقال: إن الراوي الآخر غَلِطَ، فزاد يونس؟. انتهى، وهو تعقّبٌ نفيسٌ.

وقال ابن المُنَيِّر في "الحاشية": توهيم المهلَّب للراوي وَهَمٌ منه، وإلا فأيّ فرق بين موسى وعيسى؟ لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رُفع نزل إلى الأرض، وإنما ثبت أنه سينزل.

قال الحافظ: أراد المهلب بأن عيسى لَمّا ثبت أنه سينزل كان كالمحقق، فقال: كأني أنظر إليه، ولهذا استدلّ المهلب بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي فيه: "لَيُهِلَّنّ ابن مريم بالحج"، والله تعالى أعلم (١).

وقوله: (هَابِطًا) منصوب على الحال، أي: حال كونه نازلًا (مِنَ الثَّنِيَّةِ) هي: العقَبَةُ، أو طريقها، أو الجَبَلُ، أو الطريقة فيه أو إليه، قاله المجد (٢).

(وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبيَةِ) "الجُؤَارُ": بضم الجيم، وبالهمزة: رفع الصوت، ومنه قول الله تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: ٥٣]؛ أي: ترفعون أصواتكم، وتستغيثون، يقال: جأر يَجْأَرُ، قال عديّ بن زيد [من الرمل]:

إِنَّنِي وَاللهِ فَاقْبَلْ حَلْفَتِي … بِأَبِيلٍ (٣) كُلَّمَا صَلَّى جَأَرْ


(١) "الفتح" ٣/ ٤٨٥.
(٢) "القاموس المحيط" ص ١١٤١.
(٣) "الأبيل": راهب النصارى.