وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوَّج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم حبيبة سنة ست من التاريخ، وقال غيره: سنة سبع، قال أبو عمر: توفيت أم حبيبة سنةَ أربع وأربعين.
قال القرطبيّ: فقد ظهر أنه لا خلاف بين أهل النقل أن تزويج النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأم حبيبة متقدِّم على إسلام أبيها أبي سفيان، وعلى يوم الفتح، ولمّا ثبت هذا تعيَّن أن يكون طلب أبي سفيان تزويج أم حبيبة للنبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد إسلامه خطأ ووَهَمًا، وقد بحث النقاد عمن وقع منه ذلك الوهم، فوجدوه قد وقع من عكرمة بن عمار. قال أبو الفرج ابن الجوزيّ: اتهموا به عكرمة بن عمار، وقد ضعّف أحاديثه يحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل، ولذلك لَمْ يُخرِج عنه البخاريُّ، إنَّما أخرج عنه مسلم؛ لأنَّه قد قال فيه يحيى بن معين: هو ثقةٌ. وقال أبو محمد عليّ بن أحمد الحافظ: هذا حديث موضوع، لا شك في وضعه، والآفة فيه من عكرمة بن عمار، قال بعضهم: ومما يحقق الوهم في هذا الحديث قول أبي سفيان للنبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أريد أن تؤمِّرني، فقال له:"نعم". ولم يُسمع قط أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمَّر أبا سفيان على أحد إلى أن توفي، فكيف يخلف النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوعد؟ هذا ما لا يجوز عليه.
قال القرطبيّ: قد تأوَّل بعض من صحَّ عنده ذلك الحديث، بأن قال: إن أبا سفيان إنما طلب من النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يجدد معه عقدًا على ابنته المذكورة ظنًّا منه: أن ذلك يصح، لعدم معرفته بالأحكام الشرعية، لحداثة عهده بالإسلام، واعتذر عن عدم تأميره مع وَعْده له بذلك؛ لأنَّ الوعد لَمْ يكن مؤقتًا، وكان يرتقب إمكان ذلك فلم يتيسَّر له ذلك إلى أن توفي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو لعلَّه ظهر له مانع شرعي منعه من توليته الشرعية؛ وإنَّما وعده بإمارة شرعية فتخلَّف
(١) معناه: لا يُضرب أنفه، وذلك إذا كان كريمًا، وأصله للفحل إذا كان غير كريم، وأراد ركوب الناقة الكريمة، فيضربون أنفه بالرمح وغيره ليرتاع، يريد أبو سفيان أنه كفءٌ كريم لا يُردّ.