للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأوَّل مشاهده مع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخندق، ولم يَفُته بعد ذلك مشهد معه. وقد قيل: إنه شهد بدرًا وأُحدًا، والأوَّل أعرف. وكان خيِّرًا فاضلًا حَبرًا عالِمًا زاهدًا متقشفًا. رُوي عن الحسن أنه قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان إذا خرج عطاؤه تصدّق به، ويأكل من عَمل يده، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها.

وذكر ابن وهب، وابن نافع عن مالك قال: كان سلمان يعمل الخوص بيده فيعيش منه، ولا يقبل من أحد شيئًا، قال: ولم يكن له بيت؛ إنما كان يستظل بالجُدُر والشجر، وإن رجلًا قال له: ألا أبني لك بيتًا تسكن فيه؟ فقال: ما لي به حاجة، فما زال به الرجل حتى قال له: إني أعرف البيت الذي يوافقك، قال: فصِفْه لي. فقال: أبني لك بيتًا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه، وإذا أنت مددت رجليك أصابك الجدار. قال: نعم، فبنى له.

وروي عن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ أنه قال: "لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء" (١)، وفي رواية: "رجال من الفرس"، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: كان لسلمان مجلسٌ من رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفردُ به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله أمرني أن أحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: عليّ، وأبو ذرّ، والمقداد، وسلمان" (٢)، وقال أبو هريرة: سلمانُ صاحب الكتابين، وقال عليٌّ: سلمان عَلِمَ العلمَ الأول والآخر، بحر لا ينزف، هو منَّا أهل البيت. وقال عليٌّ -رضي الله عنه- أيضًا: سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم. وله أخبار حِسان، وفضائلُ جَمَّة.

توفي سلمان -رضي الله عنه- في آخر خلافة عثمان -رضي الله عنه- سنة خمس وثلاثين، وقيل: مات بل سَنةَ ستٍّ في أولها، وقد قيل: توفي في خلافة عمر، والأوَّلُ أكثر. قال الشعبيُّ: توفي بالمدائن، وكان من المعمَّرين، أدرك وصيَّ عيسى ابن مريم، وعاش مئتين وخمسين سنة، وقيل: ثلاثمئة وخمسين سنة. قال أبو الفرج: والأول أصح، وجملةُ ما حُفِظَ له عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ستون حديثًا،


(١) متّفقٌ عليه.
(٢) ضعيف، أخرجه الترمذيّ (٣٧١٨)، وابن ماجه (١٤٩).