للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ) وفي رواية معلّقة عند البخاريّ: "سمعت أنسًا"، (عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ) بالتصغير، وقيل: بالتكبير، مالك بن ربيعة -رضي الله عنه-؛ أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ)؛ أي: خير قبائلهم.

قال القرطبيّ -رحمه الله-: أصلُ الدار: المنزل الذي يُقام فيه، ويُجمع في القلّة: أدوُر، بواو مضمومة، وقد أبدلوا من الضمة همزة؛ استثقالًا للضمَّة على الواو، ويُجمع في الكثرة على ديار، ودُور، والدار مؤنثة، ثم قد يُعبَّر بالدار عن ساكنها، كما جاء في هذا الحديث، فإنه أراد بالديار: القبائل، وخير؛ يعني: أخْيَر؛ أي: أكثر خيرًا، وتفضيل بعض هذه القبائل على بعض إنما هو بحسب سَبْقهم للإسلام، وأفعالهم فيه، وتفضيلُهم خبر من الشارع عمّا لهم عند الله تعالى من المنازل والمراتب، فلا يُقدَّمُ من أخّر، ولا يؤخَّر من قدَّم.

وقد اختلفت الرواياتُ في بني النَّجار، وبني عبد الأشهل، ففي رواية أبي أُسيد: تقديم بني النَّجّار علي بني عبد الأشهل، ومَن بعدهم، وفي رواية أبي هريرة: تقديم بني عبد الأشهل علي بني النجار، ومَن بَعدَهم، وهذا تعارضٌ مُشكِل، غير أن الأَولى رواية أبي أُسَيد لقرابة بني النجار من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون غيرهم، فإنهم أخوالُه، كما قدَّمنا، ولاختصاص نزول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهم، وكونه عندهم، وهذه مزيَّة لا يلحقهم أحدٌ فيها، وغَضَبُ سعدِ بن عبادة لَمّا ذُكرتْ دارُه آخر الديار بادرةٌ أصدرها عنه منافستُه في الخير، وحرصُه على تحصيل الثواب والأجر؛ فلما نُبّه على ما ينبغي له سلَّم السَّبق لأهله، وشكرَ الله تعالى على ما آتاه مِن فضله. انتهى (١).

وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: "خير دور الأنصار"؛ أي: خير قبائلهم، وكانت كل قبيلة منها تسكن محلة، فتسمى تلك المحلة دار بني فلان، ولهذا جاء في كثير من الروايات: بنو فلان من غير ذِكر الدار. انتهى (٢).

(بَنُو النَّجَّارِ) -بفتح النون، وتشديد الجيم- وهذا من باب إطلاق المحلّ وإرادة الحالّ، أو خَيْريتها بسبب خيرية أهلها، والنجّار هو: تيم الله بن ثعلبة بن


(١) "المفهم" ٦/ ٤٧٠ - ٤٧٢.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ٦٩.