للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ركوب الإبل، فعبَّر بركوب الإبل عن العرب، وقد عُلم أن العرب خير من غيرهنّ، فيستفاد بذلك تفضيلهن مطلقًا. انتهى (١).

٤ - (ومنها): أن أبا هريرة - رضي الله عنه - أراد من قوله: "ركبن الإبل" إخراج مريم -عليه السلام - من ذلك؛ لأنها لم تركب بعيرًا قط، فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها، ولا شك أن لمريم فضلًا، وأنها أفضل من أكثر نساء قريش، وقد ثبت في "الصحيح" أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد، وأشار وكيع إلى السماء والأرض" وأراد بهذه الإشارة تفسير الضمير في "نسائها"، وأن المراد به جميع نساء الأرض؛ أي: كل من بين السماء والأرض من النساء.

قال النوويّ: والأظهر أن معناه: أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه.

وقال وليّ الدين: وقد يعود الضمير في "نسائها" على مريم وخديجة، ويكون المقدّم خبرًا، والمؤخر مبتدأ، والتقدير: مريم خير نسائها: أي: خير نساء زمانها، والتردد بين مريم وخديجة مفرّع على الصحيح أن مريم ليست نبيّة، وقد نقل بعضهم الإجماع عليه (٢)، أما إذا قلنا بنبوّتها كما قاله بعضهم، فلا شكّ حينئذ في فَضْلها على خديجة، والحقّ أنه لا يحتاج إخراج مريم -عليه السلام - من هذا التفضيل إلى استنباطه من قوله: "ركبن الإبل"؛ لأن تفضيل الجملة لا يلزم طَرْده في كل الأفراد، وقد عُلم فضل مريم بما تقدم وغيره؛ ولو قَصَد بقوله: "ركبن الإبل" إخراج نساء غير العرب للزم على ذلك أن لا يكون لنساء قريش فضل على نساء بني إسرائيل، ولا الروم، ولا الفرس، ولا غيرهم من النساء، وليس كذلك، بل الحديث دالّ على تفضيلهن على جميع النساء؛ لدلالته على تفضيلهن على بقية العرب مع قيام الدليل على تفضيل العرب على غيرهم، ثم إن هذا الحديث إنما سيق -والله أعلم- في معرض الترغيب في


(١) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٧/ ١١٤.
(٢) دعوى الإجماع باطلة، كما يبيّنه كلامه بعده، فتفطّن.