للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ) وفي رواية لأحمد، وأبي يعلى: "وقد عَلِم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن مريم لم تركب بعيرًا قط"، أراد أبو هريرة بذلك -صلى الله عليه وسلم- إخراج مريم من هذا التفضيل؛ لأنها لم تركب بعيرًا قط، فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها، ولا يُشَكّ أن لمريم فضلًا، وأنها أفضل من جميع نساء قريش إن ثبت أنها نبيّةٌ، أو مِن أكثرهنّ إن لم تكن نبيّة، وقد تقدم بيان ذلك في فضائل خديجة -رضي الله عنها- حديث: "خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة"، وأن معناها: أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها، ويَحْتَمِل أن لا يحتاج في إخراج مريم من هذا التفضيل إلى الاستنباط من قوله: "ركبن الإبل"؛ لأن تفضيل الجملة لا يستلزم ثبوت كل فرد فرد منها، فإن قوله: "ركبن الإبل" إشارة إلى العرب؛ لأنهم الذين يَكثُرُ منهم ركوب الإبل، وقد عُرِف أن العرب خير مِن غيرهم مطلقًا في الجملة، فيستفاد منه تفضيلهن مطلقًا على نساء غيرهنّ مطلقًا، ويمكن أن يقال أيضًا أن الظاهر أن الحديث سيق في معرض الترغيب في نكاح القرشيات، فليس فيه التعرض لمريم، ولا لغيرها ممن انقضى زمنهن. انتهى (١).

وقال في "الفتح" في موضع آخر: قوله: "ولم تركب مريم بعيرًا قط" إشارة إلى أن مريم لم تدخل في هذا التفضيل، بل هو خاصّ بمن يركب الإبل، والفضل الوارد في خديجة وفاطمة وعائشة هو بالنسبة إلى جميع النساء، إلا مَن قيل: إنها نبيّة، فإن ثبت في حق امرأة أنها نبيةٌ، فهي خارجة بالشرع؛ لأن درجة النبوّة لا شيء بعدها، وإن لم يثبت فيحتاج من يخرجهن إلى دليل خاص لكل منهنّ، فأشار أبو هريرة إلى أن مريم لم تدخل في هذا العموم؛ لأنه قَيَّد أصل الفضل بمن يركب الإبل، ومريم لم تركب بعيرًا قط.

وقد اعترض بعضهم، فقال: كأن أبا هريرة ظنّ أن البعير لا يكون إلا من الإبل، وليس كما ظنّ، بل يُطلق البعير على الحمار، وقال ابن خالويه: لم تكن إخوة يوسف رُكبانًا إلا على أحمرة، ولم يكن عندهم إبل، وإنما كانت


(١) "الفتح" ١١/ ٣٤٨ - ٣٤٩.