للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

موضع كِنٍّ، فخَرَج منه وهو عَرْقان، وفي رواية ابن عمر - رضي الله عنهما - بعد هذا: "يقطر رأسه ماءً"، وفي لفظ: "ينطُفُ رأسه ماءً"، وهو محتملٍ لأن يراد الحقيقة، وأنه عَرِقَ حتى قَطَر الماءُ من رأسه، ويحتمل أن يكون كناية عن مزيد نَضَارة وجهه، ويؤيده أن في رواية عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عند أحمد، وأبي داود: "يقطر رأسه ماءً، وإن لم يُصِبْهُ بَلَلٌ"، قاله في "الفتح" (١).

وقال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: وأما "الدِّيماس": - فبكسر الدال، وإسكان الياء، والسينُ في آخره مهملة - وفسره الراوي بالحَمّام، والمعروف عند أهل اللغة أن الديماس هو السَّرَبُ، وهو أيضًا الكِنّ.

قال الهرويّ في هذا الحديث: قال بعضهم: الديماس هنا هو الكِنّ، أي: كأنه مُخَدَّرٌ، لم يَرَ شمسًا، قال: وقال بعضهم: المراد به السَّرَب، ومنه دَمَسْتُهُ: إذا دفنته.

وقال الجوهريّ في "صحاحه": في هذا الحديث قوله: "خَرَجَ من دِيماس"، يعني: في نَضَارته، وكثرة ماء وجهه، كأنه خَرَج من كِنٍّ؛ لأنه قال في وصفه: "كأن رأسه يقطر ماءً".

وذَكَر صاحب "المطالع" الأقوال الثلاثة فيه، فقال: "الدِّيماس" قيل: هو السَّرَبُ، وقيل: الحَمَّام، هذا ما يتعلق بالديماس.

وأما "الحَمَّام": فمعروف، وهو مُذَكَّر باتفاق أهل اللغة، وقد نَقَل الأزهريّ في "تهذيب اللغة" تذكيره عن العرب، والله تعالى أعلم.

وأما وصف عيسى - صلوات الله عليه وسلامه - في هذه الرواية، وهي رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - بأنه أحمر، ووصفه في رواية ابن عمر - رضي الله عنهما - بعدها بأنه آدَمُ، والآدم الأسمر، وقد رَوَى البخاريّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه أنكر رواية أحمر، وحَلَفَ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يقله - يعني: وأنه اشتبه على الراوي - فيجوز أن يُتَأَوَّلَ الأحمر على الآدم، ولا يكون المراد حقيقة الأُدْمَةِ والحمرة، بل ما قاربها، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أشار النوويّ رَحِمَهُ اللهُ بإنكار ابن عمر - رضي الله عنهما -


(١) ٦/ ٥٥٨ "كتاب أحاديث الأنبياء".
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ٢٣٢.