للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرجل حليفه؛ وإن كان ظالمًا، ويقوم دونه، ويدفع عنه بكل ممكن، فيمنع الحقوق، وينتصر به على الظلم، والبغي، والفساد، ولمّا جاء الشرع بالانتصاف من لظالم، وأنه يؤخذ منه ما عليه من الحقّ، ولا يمنعه أحد من ذلك، وحدّ الحدود، وبيّن الأحكام، أبطل ما كانت الجاهلية عليه ممن ذلك، وبقي التعاقد والتحالف على نصرة الحقّ، والقيام به، وأوجب ذلك بأصل الشريعة إيجابًا عامًا على من قَدَر عليه من المكلَّفين.

ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - خصَّ أصحابه من ذلك بأن عقد بينهم حِلْفًا على ذلك مرتين -كما تقدَّم- تأكيدًا للقيام بالحقّ والمواساة، وسمَّى ذلك أُخُوّة مبالغة في التأكيد والتزام الحرمة؛ ولذلك حكم فيه بالتوارث حتى تمكّن الإسلام، واطمأنت القلوب، فنسخ الله تعالى ذلك بميراث ذوي الأرحام. انتهى (١).

وقال في "الفتح": معنى قوله: "لا حِلْف في الإسلام": أي: لا يتعاهدون في الإسلام على الأشياء التي كانوا يتعاهدون عليها في الجاهلية، كما سأذكره وكأنّ عاصمًا يشير بذلك إلى ما رواه سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جبير بن مطعم مرفوعًا: "لا حِلْف في الإسلام، وأيما حِلْف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شِدّةً"، أخرجه مسلم.

ولهذا الحديث طُرُق منها عن أم سلمة مثله، أخرجه عمر بن شَبّة في "كتاب مكة" عن أبيه، وعن عمرو بن شعيب عن جدّه: "قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على دَرَج الكعبة، فقال: أيها الناس … "، فذكر نحوه، أخرجه عمر بن شَبّة، وأصله في "السنن"، وعن قيس بن عاصم أنه: "سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف؟ فقال: لا حلف في الإسلام، ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية"، أخرجه أحمد، وعمر بن شبة، واللفظ له.

ومنها: عن ابن عباس رفعه: "ما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدّةً وحِدّةً"، أخرجه عمر بن شبة، واللفظ له، وأحمد، وصححه ابن حبان.


(١) "المفهم" ٦/ ٤٨٢ - ٤٨٣.