للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَإذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ)؛ أي: تناثرت، (أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ) من الانفطار، والطيّ كالسِّجِلّ.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: أي: ما دامت النجوم فيها لم تتغير بالانشقاق، ولا بالانفطار، فإذا انتثرث نجومها، وكُوّرت شمسها، جاءها ذلك، وهو الذي وُعدت به. انتهى (١).

(وَأَنَا أَمنَة لأَصْحَابِي) قال القرطبيّ -رحمه الله- الأَمَنَة: الأمن، ومنه قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} الآية [الأنقال: ١١]؛ أي: أمنًا، ويعني بذلك: أن الله تعالى رفع عن أصحابه - صلى الله عليه وسلم - الفتن، والمحن، والعذاب مُدّة كونه فيهم، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الآية [الأنقال: ٣٣]، فلما تولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءت الفتن، وعَظُمت الْمِحَن، وظهر الكفر والنفاق، وكثر الخلاف والشقاق، فلولا تدارُك الله تعالى هذا الدين بثاني اثنين لصار أثرًا بعد عَيْن، وهذا الذي وُعدوا به. انتهى (٢).

(فَإِذَا ذَهَبْتُ أتى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ)؛ أي: من الفتن والحروب واختلاف القلوب، وقد وقع. (وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ") قال القرطبيّ -رحمه الله-: يعني: أن أصحابه - صلى الله عليه وسلم - ما داموا موجودين كان الدِّين قائمًا، والحقّ ظاهرًا، والنصر على الأعداء حاصلًا، ولمّا ذهب أصحابه غلبت الأهواء، وأُدِيلت الأعداء، ولا يزال أمر الدِّين متناقصًا، وجَدّه ناكصًا إلى أن لا يبقى على ظهر الأرض أحد يقول: الله، الله، وهو الذي وُعدت به أمته، والله تعالى أعلم. انتهى (٣).

وقال المناويّ -رحمه الله-: قوله: "وأصحابي أمنة لأمتي -أي: أمة الإجابة- فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون": أي: من ظهور البدع، وغلبة الأهواء، واختلاف العقائد، وطلوع قرن الشيطان، وظهور الروم وغيرهم عليهم، وانتهاك المدينة، ومكة، وهذه كلها معجزاته - صلى الله عليه وسلم - وقعت، كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - (٤).


(١) "المفهم" ٦/ ٤٨٤ - ٤٨٥.
(٢) "المفهم" ٦/ ٤٨٤ - ٤٨٥.
(٣) "المفهم" ٦/ ٤٨٥.
(٤) "فيض القدير" ٦/ ٢٩٦، و"شرح النوويّ" ١٦/ ٨٣.