للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ: قال جمهور العلماء في معنى هذا الحديث: المراد بالسِّمَن هنا: كثرة اللحم، ومعناه: أنه يكثر ذلك فيهم، وليس معناه: أن يتمحضوا سمانًا، قالوا: والمذموم منه من يستكسبه، وأما من هو فيه خلقة فلا يدخل في هذا، والمتكسب له هو المتوسع في المأكول والمشروب زائدًا على المعتاد، وقيل: المراد بالسِّمَن هنا أنهم يتكثّرون بما ليس فيهم، وَيدّعون ما ليس لهم، من الشرف وغيره، وقيل: المراد جَمْعهم الأموال. انتهى (١).

(يَشْهَدُونَ) بالبناء للفاعل؛ أي: يؤدّون الشهادة للناس (قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا") بالبناء للمفعول؛ أي: قبل أن يُطلب منهم أداء شهادتهم.

قال النوويّ رحمه الله: هذا الحديث في ظاهره مخالفة للحديث الآخر: "خيرُ الشهود الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها"، قال العلماء: الجمع بينهما: أن الذمّ في ذلك لمن بادر بالشهادة في حقّ الآدمي هو عالم بها قبل أن يسألها صاحبها، وأما المدح فهو لمن كانت عنده شهادة لآدميّ، ولا يعلم بها صاحبها، فيُخبره بها ليستشهد بها عند القاضي، إن أراد، ويلتحق به من كانت عنده شهادةٌ حسبةً، وهي الشهادة بحقوق الله تعالى، فيأتي القاضي، ويشهد بها، وهذا ممدوح، إلا إذا كانت الشهادة بحدّ، ورأى المصلحة في الستر، هذا الذي ذكرناه من الجمع بين الحديثين هو مذهب أصحابنا -يعني: الشافعيّة - ومالك، وجماهير العلماء، وهو الصواب، وقيل فيه أقوال ضعيفة، منها قول من قال بالذمّ مطلقًا، ونابذ حديث المدح، ومنها من حمله على شهادة الزور، ومنها قول من حمله على الشهادة بالحدود، وكلها فاسدة، واحتَجّ عبد الله بن شُبْرُمة بهذا الحديث لمذهبه في منعه الشهادة على الإقرار قبل أن يُستَشهَدَ، ومذهبنا ومذهب الجمهور قبولها. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (٢)، وهو تحقيق مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ٨٦ - ٨٧.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ٨٧.