وإنما أراد: أن لهم حقًّا لِرَحمهم، أو صهرهم، ويَحْتَمِل أن يكون معناه: أنهم يكون لهم عهد بما ينقد لهم من ذلك حين الفتح. وهذا التأويل على بُعده يعضده ما رواه ابن هشام من حديث عمر مولى عفرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"الله! الله في أهل المدرة السَّوداء السّحم، الجعاد؛ فإنَّ لهم نسبًا وصهرًا"(١)، قال عمر: فنَسبَهم: أن أم إسماعيل منهم، وصهرهم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسرى منهم، قال ابن لهيعة: أم إسماعيل هاجر من أم العرب: قرية كانت أمام الفَرَما، وأم إبراهيم مارية سرية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - التي أهداها له المقوقس من حَفْن من كورة أَنْصِنا. والمدرة: واحدة المدر، والعرب تسمي القرية: المدرة، وأهل المدر: أهل القرى. والسُّحْم: السُّود، جَمْع أسحم، وهو الشديد الأدمة، وفوقه: الصُّحْمة -بالصاد-. والجعاد: المتكسرو الشعور، وهذه أوصاف أهل صعيد مصر غالبًا، وقد تقدَّم ذِكر هاجر.
والفَرَما: قرية من عمل صعيد مصر، سمّيت بِاسْم بانيها، وهو الفرما بن قليقس، ويقال: ابن قليس، ومعناه: محب الغرس، وهو أخو الإسكندر بن قليس اليوناني، ذكره الطبريّ، وذكر أن الإسكندر حين بنى الإسكندرية، قال: أبني مدينة فقيرة إلى الله غنية عن الناس، وقال الفرما: أبني مدينة غنية عن الله فقيرة إلى الناس، فسلَّط الله تعالى عليها الخراب سريعًا، فذهب رَسْمها، وبقيت الإسكندرية، وسمِّيت مصر بمصر بن النبيط ولد كوش بن كنعان، وقال أبو العباس: اشتقاق مصر من المصر، وهو القطع، كأنها قُطعت من الخراب، ومنه: المصر: الحاجز، ومصوّر الدار: حدودها. وحفن: قرية مارية سُرِّية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالصعيد معروفة، وهي التي كلَّم الحسن بن علي معاوية أن يضع الخراج عن أهلها لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم، ففعل معاوية ذلك، ذكره أبو عبيد في "الأموال".
وأنصنا: مدينة السَّحَرة، وحَفن من عملها، والمقوقس: هو ملك مصر بعث له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطب بن أبي بلتعة، وجبرًا مولى أبي رُهم بكتاب، فلم يبعد عن الإسلام، وأهدى له مارية، ويقال: وأختها سيرين، وبغلة تسمَّى:
(١) ذكره ابن هشام في "السيرة النبويّة" ١/ ٦، ويحتاج إلى النظر في إسناده، فأين هو؟ والله تعالى أعلم.