للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المختارة، ويقال: هي الإبل المركوب المدَّرب الحسن الفعال القويّ على الحمل والسفر، يُطلق على الذكر والأنثى، والتاء فيه للمبالغة، وخصها ابن قتيبة بالنُّوق، ونُوزع، قال الزمخشريّ: يريد: أن المرضيّ المنتخب في عزّة وجوده كالنجيبة التي لا توجد في كثير من الإبل، وقال القاضي: معناه: لا تكاد تجد في مائة إبل راحلة تصلح للركوب، وطيئةً، سهلة الانقياد، فكذا لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة، فيعاون صاحبه، ويُلين له جانبه، وقال الراغب: الإبل في تعارفهم اسم لمائة بعير، فمائة إبل عشرة آلاف بعير، فالمراد: أنك ترى واحدًا كعشرة آلاف، وترى عشرة آلاف دون واحد، كما قيل:

وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوتًا … لَدَى الْمَجْدِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ

وقال بعضهم: خَصّ ضرب المَثَل بالراحلة؛ لأن أهل الكمال جعلهم الحقّ تعالى حاملين عن أتباعهم المشاقّ، مذللة لهم الصعب في جميع الآفاق؛ لغلبة الحنُوّ عليهم والإشفاق. انتهى (١).

وقال ابن قتيبة: الراحلة: النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره، فهي كاملة الأوصاف، فإذا كانت في إبل عُرِفت، قال: ومعنى الحديث: أن الناس متساوون، ليس لأحد منهم فَضْل في النَّسب، بل هم أشباه، كالإبل المائة، وقال الأزهريّ: الراحلة عند العرب: الجمل النجيب، والناقة النجيبة، قال: والهاء فيها للمبالغة، كما يقال رجل فهامة، ونسابةٌ، قال: والمعنى الذي ذكره ابن قتيبة غلطٌ، بل معنى الحديث: أن الزاهد في الدنيا الكامل في الزهد فيها، والرغبة في الآخرة قليل جدًّا، كقلة الراحلة في الإبل.

قال النوويّ: كلام الأزهري هذا أجود من كلام ابن قتيبة، وأجود منهما قول آخرين: إن معناه: المرضئ الأحوال من الناس الكامل الأوصاف، الحَسَن المنظر، القويّ على الأحمال، والأسفار، سُمّيت راحلة؛ لأنها تُرحل؛ أي: يُجعل عليها الرَّحْل، فهي فاعلة بمعنى مفعولة، كعيشة راضية: أي: مرضيّة، ونظائره. انتهى (٢).


(١) "فيض القدير شرح الجامع الصغير" للمناويّ ٢/ ٥٦٢.
(٢) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٠١.