للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أحدهما: أن يكون معناه: صرعه الله لأنفه، فأهلكه، وهذا إنما يكون في حقّ من لَمْ يقم بما يجب عليه من بِرّهما.

وثانيهما: أن يكون معناه: أذله الله تعالى؛ لأنَّ من أُلْصِق أنفه الذي هو أشرف أعضاء الوجه بالتراب الذي هو موطئ الأقدام وأخسّ الأشياء، فقد انتهى من الذّلّ إلى الغاية القصوي، وهذا يَصلُح أن يُدْعَى به على من فَرّط في متأكدات المندوبات، ويصلح لمن فَرّط في الواجبات، وهو الظاهر، وتخصيصه عند الكِبَر بالذِّكر، وإن كان برّهما واجبًا على كل حال، إنما كان ذلك؛ لشدّة حاجتهما إليه، ولضَعْفهما عن القيام بكثير من مصالحهما، وليبادر الولدُ اغتنام فرصة برّهما؛ لئلا تفوته بموتهما، فيندم على ذلك. انتهى (١).

(ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ") كرّره ثلاث مرّات؛ إشارة إلى تأكيد هذا الأمر، وتعظيمه، (قِيلَ: مَنْ) الذي رَغم أنفه (يَا رَسُولَ اللهِ؛ قَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ("مَنْ أَدْرَكَ أَبوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَر)؛ أي: وقت كِبَر السنّ، وقوله: (أَحَدَهُمَا، أَو كلَيْهِمَا) منصوب على البدليّة من أبويه، و"أو" هنا للتقسيم، لا للشكّ.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "أحدهما، أو كليهما" كذا الروايات الصحيحة بنصب "أحدهما، أو كليهما"؛ لأنَّه بدلٌ من والديه المنصوب بـ "أدرك"، وقد وقع في بعض النُّسخ: "أحدُهما، أَو كلاهما" مرفوعين على الابتداء، ويُتكلّف لهما إضمار الخبر، والأول أَولى. انتهى (٢).

وإنما قيّد بقوله: "عند الكبر" مع أن خدمة الأبوين ينبغي المحافظة عليها في كل زمن؛ لشدة احتياجهما إلى البرّ والخدمة في تلك الحالة، قاله المناويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٣).

(فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ") لعقوقه لهما، وتقصيره في حقهما، وهو إسناد مجازيّ؛ يعني: ذلّ، وخسر من أدرك أبويه، أو أحدهما في كبر السنّ، ولم يَسْعَ في تحصيل مآربهما، والقيام بخدمتهما، فيستوجبَ الجَنَّة، جعل دخول الجَنَّة بما يلابس الأبوين، وما هو بسببهما بمنزلة ما هو بفعلهما، ومسبَّب


(١) "المفهم" ٦/ ٥١٨.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥١٩.
(٣) "فيض القدير" ٤/ ٣٤.