وعقوق الوالدين: مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برّهما: موافقتهما على أغراضهما الجائزة لهما، وعلى هذا إذا أمرا، أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه إذا لَمْ يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المباحات في أصله، وكذلك إذا كان من قبيل المندوبات، وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيّره في حقّ الولد مندوبًا إليه، وأمْرهما بالمندوب يزيده تأكيدًا في ندبيّته، والصحيح الأول؛ لأنَّ الله تعالى قد قَرَن طاعتهما، والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده، فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الآية [الإسراء: ٢٣]، وقال:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} الآية [العنكبوت: ٨] في غير ما موضع، وكذلك جاءت في السُّنَّة أحاديث كثيرة تقتضي لزوم طاعتهما فيما أمرا به، فمنها ما رواه الترمذيّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان تحتي امرأة أحبّها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أن أطلّقها، فأبيت، فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:"يا عبد الله بن عمر طلّق امرأتك"، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
فإن قيل: فكيف يرتفع حكم الله الأصلي بحكم غيره الطارئ؟.
فالجواب: أنه لَمْ يرتفع حكم الله بحكم غيره، بل بحكمه، وذلك أنه لما أوجب علينا طاعتهما، والإحسان إليهما، وكان من ذلك امتثال أمرهما، وجب ذلك الامتثال؛ لأنَّه لا يحصل ما أمرنا الله به إلَّا بذلك الامتثال، ولأنهما إن خولفا في أمرهما حصل العقوق الذي حرّمه الله تعالى، فوجب أمرهما على كل حال بإيجاب الله تعالى. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٣/ ٦٤٨٩ و ٦٤٩٠ و ٦٤٩١](٢٥٥١)،