للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَلأَنْتَ تَقْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْـ … ـــــضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَقْرِي

أي: تقطع ما قَدّرتَ. وقال الله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: ١١]؛ أي: مخلوقه (١).

(حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ)؛ أي: قضى خَلْقهم، وأتمّه، وقال القرطبيّ: معنى "فَرَغ منهم": أي: كَمّل خلقهم، لا أنه اشتغل بهم، ثم فَرَغ مِن شُغْله بهم؛ إذ ليس فعله بمباشرة، ولا بمناولة، ولا خَلْقه بآلة، ولا محاولة، تعالى عما يتوهّمه المتوهِّمون، وسبحانه {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢]. انتهى (٢).

(قَامَتِ الرَّحِمُ) - بفتح الراء، وكسر الحاء المهملة -: أي: القرابة، مشتقة من الرحمة، وهي عَرَضٌ جعلها الله تعالى تقوم، وتتكلّم، والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - على كلِّ شيء قدير، فقيامها قيامٌ على الحقيقة، لا على المجاز، كما ادُّعي؛ إذ لا مانع أن تقوم الأعراض، وتتكلّم حقيقةً، والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - قادر على كل شيء.

وقال في "الفتح": قوله: "قامت الرحم" يَحْتَمِل أن يكون على الحقيقة، والأعراضُ يجوز أن تتجسد، وتتكلم بإذن الله تعالى، ويجوز أن يكون على حذف: أي: قام مَلَك، فتكلم على لسانها، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك على طريق ضَرْب المَثَل، والاستعارة، والمراد: تعظيم شأنها، وفَضْلُ واصلها، وإثم قاطعها. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: لا حاجة إلى هذه الاحتمالات سوى الأول؛ فإن ظاهر النصّ بعيد عنها، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ: قوله: "قامت الرحم، فقالت … إلخ" هذا الكلام من المجاز المستعمَل، والاتّساع المشهور؛ إذ الرّحِم عبارة عن قرابات الرجل من جهة طَرَفَيْ آبائه، وإن عَلَوا، وأبنائه، وإن نزلُوا، وما يتصل بالطرفين، من الأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات، والإخوة، والأخوات، ومن يتصل بهم من أولادهم برحم جامعة، والقرابة إذًا نِسبة من النّسَب، كالأبوّة، والأخوّة، والعمومة، وما كان كذلك استحال حقيقة القيام، والكلام، فيُحمل هذا الكلام على التوسّع، ويمكن حَمْله على أحد وجهين، ثم ذَكَر وجهين


(١) "المفهم" ٦/ ٥٢٤.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥٢٤.